تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الجمعة 15 فبراير 2019 / 18:11

مؤامرة على المعنّفين

الخوف من الفضيحة دفع المسكين كاليب لأن يحسب كل صيحة عليه، وجزء من مؤامرة لكشف هويته. فهو غالباً توهّم بأن وجود الأصدقاء من حولها كان يعني تخطيطهم للإيقاع به

 شغلت عقلي خلال اليومين الماضيين قضية الفتاة الإماراتية المعنّفة –ولندعوها عذراء- والتي شاركت بياناتها وعنوانها معي، ومع عدد من المغرّدات المهتمات بحقوق المرأة، لتضمن ألا يطويها النسيان في حال عادت عائلتها إلى تعنيفها وحبسها.

واهتمامي الشخصي بالقضية فرض عليّ أن أُشبع حسابي في "تويتر" –والآن مقالي- جعجعة حول أزمة التعنيف. ولا تقلقوا، لا زال الهدف أن نرى "الطحن" في المستقبل.

لأشرح لكم نظريتي البسيطة. بل والبدائية ربما.
في 2015، نشرت الكاتبة الأمريكية كيلي سوندبيرغ مقالاً مطوّلاً يحكي تجربتها البشعة مع التعنيف على يد زوجها السابق، كاليب.
تقول سوندبيرغ إن لقاءاتها مع أصدقائها أصبحت تلوّثها عشرات الأكاذيب البيضاء –على النقيض من الكدمات الغامقة على رقعة جلدها-، فهي مرة قد أغلقت الباب على ذراعها، ومرة قد تعثّرت بالسجادة، ومرة تزحلقت على قشر الموز كما يفعلون في الرسوم المتحركة.

وبدا أن سوندبيرغ ستظل إلى الأبد عالقة في دوامة إخراج "كفّارات" لأكاذيبها، وذلك لأن آثار الضرب استمرت في النمو والتشعّب على "مسرح الجريمة" بالتوازي مع حاجتها في التكتّم على سرها.

حتى جاء اليوم الذي قال له فيها زوجها بأسى عميق، "إنكِ على الأغلب تتمنين أن يكتشف أحد ما مصدر هذه الكدمات. إنك على الأرجح تتمنين أن يعلم أحد ما بأمر تعنيفكِ لتتغير الأمور".

إن الخوف من الفضيحة دفع المسكين كاليب لأن يحسب كل صيحة عليه، وجزء من مؤامرة لكشف هويته. فهو غالباً توهّم بأن وجود الأصدقاء من حولها كان يعني تخطيطهم للإيقاع به، وبأن أسئلتهم القلقة كانت اتهامات شبه جاهزة له. بل ولن أستغرب إذا اعتقد في قرارة نفسه أن جسد كيلي لم يتبقّع بالكدمات إلا لأنها على وشك توجيه أصبع اللوم إليه!

ولهذا حينما أخطأ، فضربها على وجهها مخلّفاً أثراً واضحاً للتعنيف، انهار كاليب على أرضية دورة المياه باكياً، "الآن، سيعلم الجميع بالأمر".
وكاليب هذا ليس بالشخصية الفريدة من نوعها، بل هو موجود في كل حي، وكل دار. وبت أتساءل إذ كان أحد الحلول يكمن في إيهامه بأننا جميعاً أصدقاء كيلي الفضوليين.

فوسائل التواصل الاجتماعي لا تضعنا أمام الواجهة البرّاقة، والابتسامة الصفراء، التي تستعرضها "كيلي" أمام المجتمع، إذا هي غالباً ستتخفّى ههنا خلف معرف وهمي. ولكنّ الحديث بانفتاح وتجرّد عن تجاربها مع التعنيف، وخذلانها من قبل السلطات، وعن رغباتها في الانتقام أو الهرب، سيوقع الشك في قلوب، والحساسية على "بطحات"، العشرات ممن هم على شاكلة "كاليب".

ومن يدري؟ فقد يؤدي ذلك إلى لحظة مشابهة لانهياره باكياً على أرضية دورة المياه، حينما استبق الأحداث جازماً بأنه قد كشف لا محالة، فاسترخت قبضته شيئاً فشيئاً من على عنق الضحية.

حتى "يفرجها الله"، أو يقوّض لكل منا أدوات حقيقية لردع المعنّفين، لنحاول على الأقل أن نكون أصدقاء لكيلي.