السبت 16 فبراير 2019 / 22:08

ماء زمزم لما شُرب له

شاهدت مقطع فيديو للدكتورة السعودية خولة الكريع في برنامج "في الصورة" مع الإعلامي أ.عبدالله المديفر، وكان مما أثار الجدل في اللقاء حديث الدكتورة حول عن عدم ثبوت فاعلية ماء زمزم في علاج مرض السرطان، بل وتعارضه مع بعض الأدوية العلاجية بسبب نسبة الملوحة التي في الماء، وكنت قد كتبت كلاماً في نفس الموضوع في كتابي عن نقد الطب النبوي في 2014.

وقبل الحديث عن ماء زمزم، أحببت أن أُعقب على ما جاء في الحوار، فأقول أنه إلى ساعة كتابة هذه السطور، لم أجد بحثاً علمياً يثبت أن شرب ماء زمزم مُضر بمرضى السرطان، ولم أجد بحثاً يدّعي أن ملوحته تتعارض مع العلاجات الكيميائية، في المقابل لم أجد دراسة سريرية تؤكد فاعلية ماء زمزم في علاج مرضى السرطان، وإن كنت سمعت عن بعض الدراسات المخبرية الأولية التي تتحدث عن هذه الفاعلية، فإلى أن يثبت العكس، لا يمكن اعتبار ماء زمزم علاجاً بديلاً لمرضى السرطان ولا يمكن اعتباره ضاراً بمرضى السرطان.

إذا استعرضنا أحاديث ماء زمزم، فالصحيح منها يقول: (إنها مباركة، وإنها طعام طعم)، أما الحديث المشهور: (ماء زمزم لما شرب له) فيقول فيه السيوطي في فتاويه (حديث مختلف فيه، قيل: صحيح، وقيل: حسن، وقيل: ضعيف، وقد ألف الحافظ ابن حجر جزءاً في حديث ماء زمزم لما شرب له وتكلم عليه في تخريج الأذكار فاستوعب، وحاصل ما ذكره أنه مختلف فيه، فضعفه جماعة وصححه آخرون، منهم الحافظ المنذري في الترغيب، والحافظ الدمياطي(.

وعلى فرض تصحيح الحديث، نرى النووي يقول في كتابه "تهذيب الأسماء" عن هذا الحديث المختلف في تصحيحه: (هذا مما عمل العلماء والأخيار به، فشربوه لمطالب لهم جليلة فنالوها، قال العلماء: فيستحب لمن شربه للمغفرة أو للشفاء من مرض ونحو ذلك أن يقول عند شربه: اللهم إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له. اللهم وإني أشربه لتغفر لي، ولتفعل بي كذا وكذا، فاغفر لي، أو افعل، أو اللهم إني أشربه مستشفياً به فاشفني، ونحو هذا)، فيدلك كلام النووي أن ماء زمزم يتبرك به في الدعاء الذي قد يستجاب وقد لا يستجاب له، وليس هو في حد ذاته مادة شفاء للأمراض العضوية، أما قوله النبي ص أن فيه: (شفاء السقم)، فهذا ينبغي تأويله بالشفاء الروحاني، ولا يعني بالضرورة أنه دواء؛ بدليل أنه لم يرد عن النبي ص أو الصحابة استخدامه في علاج الأمراض العضوية كالصداع وذات الجنب والقروح والجروح وغيرها، علاوة على أن "شفاء السقم" لفظ عام لا يمكن أن يعني أنه علاج لكل الأمراض والأسقام في العالم، بل ربما أراد به نوعاً خاصاً من الأمراض في عصره.

يقول ابن القيم: (وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم واستشفيت به من عدة أمراض، ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بالفاتحة آخذ شربة من ماء زمزم، وأقرأها عليها مراراً ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام ثم صرت اعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع؛ لذا فإن ماء زمزم يُستخدَم للاستشفاء بشرط: سلامة القلب، والتوكل على الله، والثقة به سبحانه وتعالى)، فابن القيم هنا يتحدث عن تجربته الشخصية، وقد وضع شروطاً ثلاثة للاستشفاء بماء زمزم تختلف درجة قوتها من شخص لآخر، فلذلك فإنه من الصعب انتفاع الناس من هذا الاستشفاء بهذه الشروط، فعند عدم حصول العلاج، هل ستقع الملامة على الماء أم على المرض أم على درجة توكل الإنسان؟
من ناحية طبية وعلمية، فإنه يوجد في ماء زمزم العديد من المعادن المهمة للجسم الكالسيوم والمغنيسيوم والكلورايد والكبريتات والحديد والمنجنيز والنحاس، ولعل هذا ما يفسر عدم كونه عذباً حلواً، وهذه المعادن موجودة أيضاً في كثير من المياه والينابيع الطبيعية حول العالم، فمن هذه المعادن ما يساعد على نمو الجسم، ومنها ما يقوي مناعته.

يقول مدير مركز أبحاث الحج المهندس سامي عنقاوي أن فحص ماء زمزم أثبت عدم وجود جرثومة واحدة فيه، ولقد وجدت دراسة ألمانية أن قلوية ماء زمزم ووجود عناصر مثل الزرنيخ والليثيوم قد يكون له قدرة شفائية، لكن تتوصل الدراسة إلى أن ماء زمزم بحاجة إلى دراسات علمية أخرى، وهناك من يُفسر القوة الشفائية المُفترضة لماء زمزم إلى الرقم الهيدروجيني PH، والذي يُقارب الأرقام الهيدروجينية لبعض مياه الينابيع الفرنسية، لكن تتفوق المياه الإيطالية في الرقم الهيدروجيني على جميع هذه المياه فهي تحمل رقماً هيدروجينياً عالياً.

إن ما تقدم لا يعني علمياً ولا عملياً استخدام ماء زمزم لأغراض علاجية، لأن الأبحاث في هذا المجال ضعيفة جداً، ولو كان لماء زمزم هذه القوة العلاجية التي ينادي بها البعض، فلماذا تنتشر الأمراض الحادة والمزمنة والقاتلة في الحجاج والمعتمرين وفي أهل مكة مع أنهم يشربون من هذا الماء ليلاً ونهاراً؟ ولماذا لم تستغن حضارة المسلمين منذ ميلادها إلى يومنا هذا عن المستشفيات والأدوية التقليدية مع أنهم الوكلاء الحصريون لهذا الماء دون جميع أمم الأرض؟ ولماذا لم ينصح به النبي ص المصابين بالأمراض العضوية؟ ولماذا لم ينصح به أطباء الحضارة الإسلامية مثل ابن سينا والكندي وابن النفيس في قائمة العلاجات المادية للأمراض العضوية التي كانوا يعالجونها؟ لذلك علينا أن ندرك أن الكلمة العليا في تحديد فاعلية علاج ما هي للعلم، وأن التحيز لعلاج ما على آخر سيأتي على حساب المريض، لذلك لنبرئ ذمتنا، وندع للعلم وحده تقرير ما ينفع وما لا ينفع.