لبابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب يتبادلان وثيقة الأخوة الإنسانية.(أرشيف)
لبابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب يتبادلان وثيقة الأخوة الإنسانية.(أرشيف)
الثلاثاء 19 فبراير 2019 / 19:27

البابا فرنسيس في دار زايد … على خُطى القديس الأسيزي

الهدية الأكبر التي قدّمتها دولة الإمارات العربية المتحدة للعالم بأسره، وللمجتمع العربي على وجه الخصوص، فكانت تلك الوثيقة القيّمة التي وُقِّعَت في ذلك اليوم باسم "وثيقة الإخوة الإنسانية"، لتنطلق من دولة الإمارات صوب العالم أجمع

قبل ثمانية قرون، كان الحوارُ الأولُ في التاريخ بين الأديان، على أرض مصر الطيبة. حين عرّج القديسُ "فرنسيس دي أسيز" عام ١٢١٩ م. على مدينة دمياط، ليلتقي بسلطان مصر آنذاك، "الكامل الأيوبي"، في لقاء استثنائيّ ملؤه الودُّ والمحبة والرغبة الحقيقية في التواصل الإنساني، والالتقاء على محبة الله الواحد الذي يعبده جميعُ البشرُ، كلٌّ عبر معتقده وإيمانه. وكان لقاءً خالدًا دوّنه التاريخُ في صفحة نيّرة من كتابه لا تُنسى. ويؤرِّخُ ذلك اليومُ التاريخيُّ بداية وجود الرهبان الفرنسيسكان في المنطقة العربية حيث أسسوا أديرة في منطقة الشام على أراضي القدس وعكا وبيروت ويافا وأنطاكيا وطرابلس وصيدا وصور وغيرها. ومنحهم الناسُ منذ ذلك التاريخ لقبَ: “حُرّاس الأراضي المقدسة”، بسبب سلوك الرهبان الفرنسيسكان المتحضر المشهود لهم عبر الزمان، مع المكان والإنسان. ويوم الجمعة القادمة الأول من مارس (آذار)، أتشرفُ بحضور احتفال مصر بالمئوية الثامنة على تلك الذكرى الطيبة في مدينة دمياط مع أصدقائنا الكاثوليك الفرنسيسكان من أبناء مصر، حتى نستعيدَ معًا ذكرى ذلك اللقاء التاريخي المهم.

وها هو الحدثُ الكريم يُعيدُ نفسَه اليومَ على أرض عربية جديدة، وحضور أشخاص كرماء جدد، يعرفون قيمة التسامح والمحبة التي أمر بها اللهُ بني الإنسان في كل مكان وزمان، وعلى اختلاف العقائد والأديان والأعراق. على خطا القديس فرنسيس الأسيزي، سار قداسةُ البابا فرنسيس من الفاتيكان الإيطالية إلى أرضنا العربية، ليلتقي بفضيلة الشيخ المصري د. أحمد الطيب إمام الأزهر الشريف، على شرف دعوة كريمة من سمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات، في حفل "اللقاء العالمي للإخوة الإنسانية"، الذي احتضنته مدينة أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات المستنيرة. شاهدتُ الحفل على الشاشات، وكأنني ألمح ظلال الشيخ زايد، طيّب الُله ثراه، حاضرًا هذا اللقاء التاريخي العظيم. فهو الذي غرس نبتةَ تلك الروح الإنسانية النبيلة التي ترتوي من شريان تلك الأرض منذ سبعة وأربعين عامًا، حتى أورقت شجرةً وارفةً من التسامح والمحبة والقبول تُظلِّل كلَّ شبر من أرض الإمارات العربية المتحدة.

وكما تبادل "السلطان الكامل الأيوبي" والقديس فرنسيس الأسيزي الهدايا الجميلة ذات المغزى التاريخي قبل ثمان مائة عام، تبادل الهدايا اليومَ أبناءُ الإنسانية الراهنون. قدّم البابا فرنسيس بابا الفاتيكان للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ميداليةً ثمينةَ الرمز تؤرخ لقاء حوار الأديان الأول قبل ثمانية قرون بين القديس فرنسيس الأسيزي والسلطان الكامل في مدينة دمياط المصرية. كما قدّم الشيخ محمد بن راشد للبابا فرنسيس وثيقة تاريخية تعود إلى عام ١٩٦٣، ممهورةً بالموافقة الرسمية على إنشاء أول كنيسة في الإمارات العربية قبيل بدايات اتحادها، بالإضافة إلى كتاب توثيقيّ يضم أهم الاكتشافات الأثرية في جزيرة "بني ياس" الإماراتية، ومن بينها ركامُ كنيسة أثرية ودير للرهبان يعودان للقرن السابع الميلادي.

أما الهدية الأكبر التي قدّمتها دولة الإمارات العربية المتحدة للعالم بأسره، وللمجتمع العربي على وجه الخصوص، فكانت تلك الوثيقة القيّمة التي وُقِّعَت في ذلك اليوم باسم "وثيقة الإخوة الإنسانية"، لتنطلق من دولة الإمارات صوب العالم أجمع. وأما الهدية الثانية فكانت إطلاق "جائزة الأخوة الإنسانية- من دار زايد"، التي ستُكرّم في كل دورة منها شخصيات ومؤسسات عالمية تبذل جهودًا حقيقية وصادقة من أجل مد جسور الود والمحبة بين الناس بعضها البعض.

ثُثبتُ الإمارات يومًا بعد يوم، أنها أرضُ التعددية والسلام والتسامح. هي أرض "السعادة" التي وعد بها الشيخ زايد، رحمه الله، ليس وحسب جميعَ مواطنيه، بل وعد بها كلَّ إنسان يزور تلك الأرض، مهما كان عِرقه أو دينه أو مذهبه. تمامًا كما ختم الشيخ محمد بن راشد كلمته قائلا: “سنواصل معكم حملَ راية الأخوّة الإنسانية. ونتعهد بمواصلة دعم الجهود الرامية إلى جعل المنطقة والعالم مكانًا أكثر سلامًا وتسامحًا.” طوبى للأنقياء الذين يُحبّون اللهَ، فيحبّون جميعَ خلق الله.