شعار الاستخبارات البريطانية.(أرشيف)
شعار الاستخبارات البريطانية.(أرشيف)
الأربعاء 20 فبراير 2019 / 20:11

التشاؤل

الاعتراف بالجرائم بعد زمن، في كتاب أو فيلم، يُجدِّد القيم الأخلاقية التي يزعم الغرب أن الديمقراطية تقوم عليها

يستند كتاب مارك كورتيس، المؤرخ والصحفي البريطاني، "التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين"، على الوثائق الرسمية البريطانية التي رُفِعت عنها السرية، خاصة وثائق الخارجية والمخابرات، ليفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين والإرهابيين.

الكتاب صدر عام 2010، ولم تؤثر فضيحة الوثائق في نهج الحكومة البريطانية التي ما زالتْ تدعم المتطرفين الإسلاميين، وكأنّ الإفراج عن الوثائق بعد عقود، لا يؤتي ثماره، بل ربما يحظى بإعجاب شعبي صامت، من البريطانيين، لما يتمتع به تاريخ بريطانيا العظمى من سطوة القوة.

أيضاً يؤدي بروتوكول الإفراج عن الوثائق المخزية، خدمةً جليلة للديمقراطية الغربية، فالاعتراف بالجرائم بعد زمن، في كتاب أو فيلم، يُجدِّد القيم الأخلاقية التي يزعم الغرب أن الديمقراطية تقوم عليها، وهكذا اعترف توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بقوله: ربما أخطأنا في حرب العراق. اعتراف توني بلير جاء في 2018، أي بعد 15 عاماً من غزو العراق.

المُؤسف أن اعتراف توني بلير بعد الفيلم الأمريكي "الكاتب الشبح"، 2010، للمخرج رومان بولانسكي، غير ذي قيمة. ففي الفيلم، تأتي شخصية رئيس الوزراء البريطاني الأسبق آدم لانج، وهي مُحاكاة صريحة لشخصية توني بلير، ضعيفةً، مُخْتَارَة، ومُسيَّرة سياسياً، بريموت كنترول من جهاز المخابرات الأمريكية.

لا أقصد أن المؤرخ والصحفي البريطاني مارك كورتيس، ينحدر إلى حضيض توني بلير، أو أن سرد وقائع مؤامرة سياسات الغرب على الشرق، غير هامة، لكن الاحتراز واجب، من تعبير الإفراج عن الوثائق، وهو تعبير لا يصلح معه التفاؤل، أو التشاؤم، بل يصلح معه حالة "التشاؤل"، نسبةً إلى رواية الأديب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل".

أدارتْ المخابرات البريطانية، والمخابرات الأمريكية، انقلاباً في إيران 1953، وعلى أثره أُزِيح رئيس الوزراء مصدق، وأُعِيد الشاه إلى السلطة، بوصفه حاكماً مطلقاً، وفي الوقت نفسه تم تربية المتأسلمين المتطرفين، وهم أسلاف الخميني.

الحكاية حكاية مال في نظر بريطانيا. في أوائل الخمسينيات كانت شركة النفط الأنجلو إيرانية، أو شركة "بريتش بتروليم"، تُدار من لندن، وكانت مملوكة ملكية مشتركة بين الحكومة البريطانية، وبين بريطانيين من القطاع الخاص، أي كانت بريطانيا تسيطر على الدخل الأكبر الإيراني.

وكان يلزم لهذه السيطرة، أمواج التطرف الديني، فتفرد بريطانيا أشرعة أساطيل النهب والنجاة، ويتخبط الإيرانيون في مياه الغرق. كان دخل شركة "بريتش بتروليم"، أكبر من دخل الحكومة الإيرانية. اعترض القوميون الإيرانيون على دخل الشركة البريطانية. أرباح الشركة البريطانية للنفط بلغ 170 مليون استرليني في عام 1950.

في 1951 وافق البرلمان الإيراني على تأميم عمليات النفط، والسيطرة على شركة النفط الأنجلو إيرانية، والاستيلاء على أصولها، وتم انتخاب محمد مصدق زعيم الجبهة الوطنية الديمقراطية رئيساً للوزراء. ردت بريطانيا بسحب فنيّ الشركة، وأعلنتْ حصاراً على صادرات النفط الإيرانية، وشرعتْ في التخطيط للإطاحة بمصدق.

تحالف المصلحة ربط مصدق، بالحزب الشيوعي الإيراني، الموالي لموسكو، حزب "توده". صعَّدتْ بريطانيا من تهديد الحزب الشيوعي في إيران. توقَّع أحد المسؤولين البريطانيين، أن يعمل الأمريكيون معهم، لاحتواء الشيوعية، وليس لاستعادة وضع شركة النفط الأنجلو إيرانية.

أشرك التآمر الأنجلو أمريكي، للتشويش على نهب الثروات، شخصيات دينية متطرفة مثل الفقيه الشيعي آية الله السيد الكاشاني. ساعد الكاشاني في تأسيس فرع إيراني للإخوان المسلمين، وهو تنظيم "فدائيان إسلام"، الذي نفذ عدداً من الهجمات الإرهابية ضد الشاه في أواخر الأربعينيات، بما في ذلك محاولة اغتياله، ثم النجاح في قتل رئيس وزراء الشاه علي رازامارا 1951.

أثار آية الله الكاشاني أعمال شغب في طهران 1953، لحساب البريطانيين. بسرور لاحظتْ وزارة الخارجية البريطانية ضخامة أتباع الكاشاني، واستعدادهم للكوارث، كأنهم قنابل موقوتة، وبسرور أيضاً تأصلتْ أكثر فأكثر قناعة بريطانيا، بأن آيات الله الإيرانية خير وسيلة لجمع المال.

وفي الوقت نفسه حرَّك البريطانيون عملاء لهم في حزب "توده" الشيوعي، لينخرطوا في أعمال عنف ضد المساجد ورجال الدين، بحيث يبدو للإيرانيين أن انتصار مصدق، هو انتصار لنفوذ حزب "توده" الشيوعي، وللشيوعية بوجه عام.

كان الكاشاني مرشداً، ومعلماً للخميني، وبموت الكاشاني 1962، بدأ صعود الخميني للسلطة. انتقل الخميني إلى مدينة بورصة التركية، بطريقة سرية، وأقام في منزل عقيد في الاستخبارات التركية، ثم انتقل إلى مدينة النجف العراقية، ثم أخيراً إلى القرية "نوفل لوشاتوه" الفرنسية، الشهيرة بصناعة النبيذ، وإقامة المشاهير مثل نجمة هوليوود في الثلاثينيات والأربعينيات ديانا دوربين، والتي رحلتْ 2013 عن عمر يناهز 91 عاماً. كان الخميني جاراً للشاعرة والروائية مارغريت دوراس. ولم تصل لنا انطباعات مكتوبة، أو شفاهية، من الشاعرة والروائية مارغريت دوراس، عن الخميني، أو منه عنها.