عناصر من الجناح المسلح للإخوان (أرشيفية)
عناصر من الجناح المسلح للإخوان (أرشيفية)
السبت 23 فبراير 2019 / 19:20

جماعة "الإخوان" بين الاستضعاف والتمكن.. تبدل الأقوال والأفعال

يعني "التمكن"، بالنسبة لجماعة "الإخوان" نهاية لمرحلة يسمونها "الصبر" والوصول إلى العتبة التي تقع الدولة برمتها في قبضتهم، فيصادرون كل ما فيها لحساب فكرتهم التي لم تعد صالحة لإدارة دولة عصرية مدنية

ظن الإخوان أنهم قد وصلوا إلى "التمكن"، مستغلين ثورة يناير المصرية التي انخرطوا في صفوفها متأخرين، ثم خانوها وحرفوها عن مسارها، وتسلقوا أيضا على أكتاف الثوار، فلما اعتلوها راحوا يضغطون عليها بالأقدام متمنين لها التلاشي، حتى يقبضوا على زمام كل شيء، ويقولون للجميع: لقد وصلنا إلى التمكين الذي حلمنا به طويلاً.

لكن لم يمر وقت طويل حتى اكتشف الإخوان إن شعورهم بالوصول إلى هذه المحطة كان زائفاً، دون أن تتوافر لهم فرصة التراجع والبناء من جديد، كما كان يتم فيما سبق، لأن وصولهم إلى السلطة كشف عناصرهم وخلاياهم النائمة، وفضح نواياهم المستترة، ورفع الغطاء عن كل الذين زرعوهم وجندوهم في مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، وهو ما جعلهم يفقدون صوابهم، ويقولون بينهم وبين أنفسهم: كانت هذه المرة مختلفة.

ويعني "التمكن"، بالنسبة لجماعة "الإخوان" نهاية لمرحلة يسمونها "الصبر" والوصول إلى العتبة التي تقع الدولة برمتها في قبضتهم، فيصادرون كل ما فيها لحساب فكرتهم التي لم تعد صالحة لإدارة دولة عصرية مدنية. ولو كان هذا "التمكن" هو "مشروع وطني" متماسك وواضح المعالم وقائم على توظيف كل الطاقة الكامنة للدولة وجميع الكفاءات في شتى التخصصات دون النظر إلى الاتجاه السياسي أو الإطار الأيديولوجي ما كانت هناك مشكلة، لكنه مجرد حلم عابر لتنظيم يصر على إدارة الدولة بطريقة سرية، ويوظف كل إمكانياتها لخدمة فصيل واحد، بما يضع الدولة الوطنية في مهب الريح من جديد.

وفي عام 2005 ضبطت أجهزة الأمن المصرية وثيقة تسمى "خطة التمكين" مكونة من ثلاثة عشر صفحة في مكتب خيرت الشاطر، الذي كان يعد المرشد الحقيقي للإخوان، ضمن ما عرفت بقضية "سلسبيل"، تتحدث عن التغلغل فى قطاعات الطلاب والعمال والمهنيين ورجال الأعمال ومؤسسات الدولة مثل الجيش والشرطة والإعلام والقضاء والأزهر والأوقاف والنقابات المهنية والتجمعات العائلية والقبلية والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان والأحزاب السياسية وجماعات الضغط.

وركزت هذه الوثيقة على ضرورة التغلغل في المناطق والفئات الشعبية، من أجل تعزيز فرص الجماعة في عملية التمكين وبما يجعل مواجهة الدولة مع الجماعة أكثر تعقيداً وأكبر في الحسابات، من خلال الاحتواء وتوظيف الأجهزة والمؤسسات الرسمية في تحقيق أهداف الإخوان، مع إشعار أهل الحكم أن الإخوان لا يشكلون خطرا عليهم، وأنهم لا يسعون إلى الحكم، ومد جسور الود مع الكتاب والباحثين والمفكرين الذين يبدون أي قدر من التعاطف مع الإخوان، مع رفع قدرة العناصر الإخوانية على التأثير في المجتمع بغية استمالة الناس، باعتبار هذا يمثل جوهر التمكين، أو يفتح الطريق لما أسموه "فتح مصر".

لقد اعتقد الإخوان أن وقت التمكين قد أزف حين جلسوا ليرتبوا أوراقهم عقب تنحي مبارك عن السلطة، مستندين إلى عدة أوهام منها، الهجوم الذي كان يتعرض له المجلس العسكري وقتها وهي الأولى منذ وصول الضباط إلى الحكم عام 1952، وإصابة الشرطة المصرية بجرح غائر خلال ثورة يناير، لاسيما جهاز أمن الدولة، الذي لديه معلومات كاملة عن تنظيم الإخوان، وضعف القوى الحزبية، وتبعثر القوى الثورية المدنية، وانطلاء خطاب الإخوان العاطفي، الذي يستغل الدين، على قطاع من الجماهير لا يستهان به، ووجود أطراف خارجية كان يروق لها وصول الإخوان إلى الحكم.

واتخذ الإخوان من مصر محطة انطلاق نحو تحقيق ما يسمونها "أستاذية العالم، وهي مسألة ليس لها أدنى أي علاقة بما يريده المصريون، وسخروا إمكانات الدولة لخدمته، وكأن مشروع الدولة ومستقبله انحبس في هذا الدرب، بينما اختفت كل الدروب، وماتت كل البدائل، متوهمين أن اكتمال تمكينهم أمر حتمي، وأن كل الأمور قد ترتبت بما يجعل الوصول إليه تحصيل حاصل، وأن مكتب الإرشاد ومعه أهل محمد مرسي وعشيرته سيتحكمون في كل شيء، بعد زرع عناصر الجماعة في مؤسسات الدولة كافة، وتغيير المجال العام بالقدر الذي يتناسب مع مصالح الجماعة، ويضمن استمرارها في الحكم أطول فترة ممكنة دون اعتبار للإنجاز والكفاءة والشرعية، معتبرين أن إعلان فوز مرشحهم في الانتخابات الرئاسية قد أعطاهم صكا على بياض يفعلون به ما شاءوا، ويصادرون بشتى الطرق إمكانية أن يتغير هذا الرأي، الذي هو في الأساس حق للشعب مصدر السلطات وصاحب الإرادة الأصيلة.

وشعور الإخوان بأن لحظة التمكين قد حانت جعل المرشد العام للجماعة ومكتب الإرشاد يتواصلون مع أفراع الجماعة في مختلف البلدان العربية، مطالبين إياهم بالتحرك في سبيل الضغط على السلطات الموجودة، فتبدل كلامهم وتصرفاتهم، وأظهروا وجوههم الحقيقية التي أخفوها طيلة زمن اعتبروه "سنوات الصبر والاستضعاف".

في النهاية هناك عدة ملاحظات أساسية حول هذا الموضوع، يمكن ذكرها على النحو التالي:
1 ـ يختلف مفهوم التمكين في القرآن عن ذلك الذي تبنته جماعة الإخوان، فالقرآن يجعل من الله تعالى هو الممكن، وليست خطط المرشد، ويميز بين صيغة التمكين في الشيء، وصيغة تمكين الشيء، ويجعل التمكين للدين والسلطة والمال في يد نبي مرسل، حيث يقول الله تعالى: "اِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْاَرْضِ وَءاتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً" ويقول: "أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الاَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الاَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ".

2 ـ يتحدث القرآن عن تمكين سائر البشر من استغلال ما في الأرض، وليس تمكين فئة فقط سواء الإخوان أو غيرهم، حيث يقول الله تعالى: "وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ" وقوله أيضا: "وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ".

3 ـ حين تحدث القرآن عن فئة فقد وصفهم بالمؤمنين، حيث يقول الله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْاَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذِي اِرْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً"، وتفسير الآية بعيد تماما عن أن تكون قاصدة لجماعة تزعم بنفسها أنها هي من يجب تمكينها، لأن الحكم على إيمان الناس من عدمه بيد الله وحده في صحيح الإسلام.

4 ـ تبين وثيقة "فتح مصر" المربوطة بمشروع تمكين الإخوان أن تصفية كل الجماعات الإسلامية الأخرى والعمل على أن يظهر الإخوان أمام الناس في صورة من يمثل الإسلام وحدهم دون غيره، هو هدف أساسي، رافضين أي تعددية في الساحة الدينية. وتقول الوثيقة صراحة: "ينبغي علينا أن ندرك وجوب تصفية أي تيار إسلامي آخر إما بضمه أو تفريغه أو احتواؤه مع عدم استعجال النتائج. كما يجب أن ندرك أهمية أن نظهر أمام الناس في صورة من يمثل الإسلام".

5 ـ حديث الإخوان عن التمكين غريب عما اعتاد عليه المصلحون المسلمون الذين تحدثوا عن "الإصلاح" وإن اختلفوا حول الزمن الذي يستغرقه. والمثل البارز لهذا هو جمال الدين الأفغاني الذي كان يريد الحصول على الإصلاح في التو، شرط العمل من أجل بلوغه، بينما كان الإمام محمد عبده يرى أن الإصلاح عملية متدرجة، تتحقق بعد مدة، ويجب أن يشارك فيها الناس، من أجل مصالحهم جميعا، وليس لصالح جماعة أو فئة صغيرة منهم، كما يريد الإخوان.