رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الأحد 24 فبراير 2019 / 18:07

الانتخابات الإسرائيلية وموازين القوى

اكتملت ملامح التحالفات، وموازين القوى، بين مختلف القوى المشاركة في لعبة الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في 9 أبريل (نيسان) المقبل.

في الجوهر يدور الصراع على حاضر إسرائيل ومستقبلها في حقل سياسي لا يُمكِّن أحداً من تحقيق نتائج حاسمة، إلا إذا تعلّق الأمر بالمصائر السياسية للساسة أنفسهم، أما القضايا الكبرى فتظل عالقة ورهينة المصالح الحزبية والرهانات الأيديولوجية في مدى مفتوح

وفي الصورة الحالية ما يوحي بأمرين: الأول أن ثمة نوعاً من التكافؤ بين معسكر اليمين والحريديم، أي الأحزاب الدينية الأرثذوكسية من جهة، ومعسكر يسار الوسط والأحزاب العربية من جهة ثانية.

والثاني أن عملية تشكيل الحكومة القادمة من جانب الفائز بأكبر عدد من المقاعد لن تخلو من مفاجآت، ولن تنجو من تعقيدات مُتوقعة.

تعتمد خلاصة أولية كهذه على نتائج استطلاعات الرأي، ورغم أن الاستطلاعات ليست دقيقة بالضرورة، ولكنها تعطي صورة تقريبية لموازين القوى.

وحسب آخر الاستطلاعات يُتوقع أن تحصل أحزاب اليمين على 48 مقعداً من مقاعد الكنيست البالغة 120 مقعداً، وبهذا تشكل مجتمعةً مع الأحزاب الدينية الأرثذوكسية، التي يُتوقع حصولها على 12 مقعداً، خمسين بالمائة من إجمالي عدد المقاعد، أي نصف البرلمان.

وفي المقابل، تشير آخر استطلاعات الرأي، أيضاً، إلى فوز أحزاب يسار الوسط بـ 48 مقعداً، ويمكن أن تشكل مجتمعةً نصف عدد المقاعد في البرلمان، إذا أضفنا إليها المقاعد التي ستحصل عليها الأحزاب العربية، والتي تُقدر ب 12 مقعداً.

وهنا تجدر ملاحظة أن القوى السياسية العربية، في إسرائيل، تدخل الانتخابات بقائمتين لا بقائمة واحدة كما كان الشأن في انتخابات السابقة، وأن دعوات مقاطعة الانتخابات، في الوسط العربي، قد تؤدي إلى تفتيت الصوت الانتخابي، وتقليص عدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها هؤلاء.

وعلاوة على هذا كله، لا تجازف الأحزاب اليهودية الإسرائيلية، بصرف النظر عن برامجها، وقناعاتها الأيديولوجية، بتشكيل حكومات بالتحالف مع أحزاب عربية. لذلك، تبقى الأحزاب والقوائم العربية في المعارضة، ولكنها قد تشكل شبكة أمان للحكومة، في حال الموافقة على سياستها، كما كان الشأن أيام حكومة رابين، وقت توقيع اتفاقيات أوسلو، ويمكن أن تساعدها في تفادي دعوات حجب الثقة في البرلمان.

بيد أن هذه التفاصيل، على أهميتها، لا ينبغي أن تحجب حقيقة أن التنافس الحاسم والأكثر أهمية يدور الآن بين تكتلين كبيرين هما الليكود بزعامة نتانياهو، و"أبيض أزرق" بزعامة بيني غانتس.

ففي آخر استطلاع للرأي تفوق التكتل الثاني على الأوّل بفارق ستة مقاعد، إذ منحت استطلاعات الرأي 29 مقعداً لليكود، مقابل 35 مقعداً فاز بها تكتل غانتس.

والواقع أن تكتل "أبيض أزرق"، وهذه التسمية مستمدة من ألوان العلم الإسرائيلي، يشكل تحدياً غير مسبوق لنتانياهو، ومستقبله السياسي.

فهذا التكتل يضم ثلاثة جنرالات سابقين إضافةً إلى يائير لابيد، الذي تزعّم حزب "يوجد مستقبل"، ويحظى بشعبية واسعة في إسرائيل. وقد نجم التحالف بين الجنرالات ولابيد عن اتفاق على تداول رئاسة الحكومة بينه وبين غانتس في حال النجاح في هزيمة نتانياهو، وتشكيل الحكومة القادمة.

ورغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى تفوّق تكتل "أبيض أزرق" على تكتل الليكود، إلا أن قدرته على تشكيل الحكومة القادمة، بالتحالف مع أحزاب أصغر، وتمثيل أغلبية برلمانية تجابه مصاعب لا يُستهان بها.

فهو لن يتحالف، بالتأكيد، مع الأحزاب العربية، واستطلاعات الرأي لا تمنح حزبي العمل وميريتس، وهما الأقرب للتكتل المذكور أكثر من 13 مقعداً، وسيجد نفسه مضطراً للتفاوض مع أحزاب وقوى في معسكر اليمين القومي الديني، وقد تكون شروطها تعجيزية. لذا، يظل هذا الباب مفتوحاً على مزيد من المفاجآت.

وفي الجانب الآخر، يدرك نتانياهو أنه يخوض المعركة الأهم في حياته. وقد لجأ إلى اللعب بأوراق تبدو مكروهة حتى من جانب بعض مؤيديه، وانخرط في توحيد قوى إرهابية وعنصرية متطرفة سبق للقانون الإسرائيلي نفسه أن حظر نشاطها في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، وحرمها من المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

وهذا ما استدعى ردة فعل سلبية تماماً من جانب اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، الذي انتقد علانية سلوك نتانياهو لأنه يفتح الباب أمام عودة بقايا حركة كاخ العنصرية المتطرفة إلى الحياة السياسية في إسرائيل.

وتبقى مسألة أخيرة تتمثل في احتمال أن يقدم المدعي العام لائحة اتهام بحق نتانياهو في قضايا الرشوة والفساد في الأيام القادمة. ويبدو من التسريبات أن اللائحة ستقدم فعلاً، ولكن سيعلن عنها بوصفها أولية فقط، وغير نهائية، على أن تتم محاكمة نتانياهو بعد الانتخابات لا قبلها حتى لا يُقال إن المدعي العام يتدخل للتأثير على نتائج الانتخابات.

وهذا، في الواقع، يزيد من تعقيد المشهد الانتخابي. فعنوان المعركة الانتخابية هو بقاء نتانياهو، على قيد الحياة السياسية، وعلى رأس الحكومة، أو إخراجه من المشهد السياسي، الذي هيمن عليه قرابة عقدين من الزمن.

وفي الجوهر يدور الصراع على حاضر إسرائيل ومستقبلها في حقل سياسي لا يُمكّن أحداً من تحقيق نتائج حاسمة، إلا إذا تعلق الأمر بالمصائر السياسية للساسة أنفسهم، أما القضايا الكبرى فتظل عالقة ورهينة المصالح الحزبية والرهانات الأيديولوجية في مدى مفتوح.