منصة ضواريخ أس-400 الروسية.(أرشيف)
منصة ضواريخ أس-400 الروسية.(أرشيف)
الإثنين 25 فبراير 2019 / 15:20

كيف أدخل أردوغان بلاده في حروب باردة؟

يرى الصحافي التركي البارز بوراك بكديل أنّ التشاؤم الحذر حلّ مكان ذروة الأزمة التي برزت الصيف الماضي بين تركيا والولايات المتحدة، وهما دولتان حليفتان نظرياً في حلف شمال الأطلسي.

مع أو بدون سفير أمريكي مقيم في أنقرة، هنالك أكثر من دليل لتوقع طريق وعرة بين الحليفين الاستراتيجيين السابقين اللذين باتا اليوم حليفين على المستوى النظري فقط، أو في معجم أكثر واقعية، خصمين أيديولوجيين

وكتب في معهد "غايتستون إنستيتيوت" الأمريكي أنّ قلة من الأتراك تتذكر الاحتجاجات التركية الكبيرة ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته والتي تُنظم غالباً بطرق طفولية، كما يحصل حين يتجمع البعض لإحراق أوراق الدولار المزيفة أو لتحطيم هواتف خلوية أمريكية أمام الكاميرات.

في 15 فبراير (شباط)، بعد بقاء المركز شاغراً منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2017، عينت واشنطن دايفد ساترفيلد سفيراً جديداً في أنقرة، وهو تعيين لا يزال بحاجة لمصادقة مجلس الشيوخ. وفي أنقرة تنتظر ساترفيلد أحجية معقدة.

لا مؤشرات إلى أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد يعيد التفكير أو حتى ضبط حساباته النيوعثمانية في السياسة الخارجية. في الوقت الذي تنتظر البلاد انتخاباتها المحلية الحساسة الشهر المقبل، تتعزز شعبيته مع الجماهير الداعمة التي تريد "أن تجعل تركيا عظيمة ثانية". لذلك، قد تعني خسارة مفاجئة في صناديق الاقتراع بداية النهاية لحكمه الذي استمر 17 سنة.

خطتان متناقضان للمنطقة الآمنة
إنّ واحدة من أبرز أولويات أردوغان الإقليمية تكمن في منع نشوء حزام كردي على الحدود الجنوبية لتركيا في وقت تستعد القوات الأمريكية لمغادرة سوريا. قد يعرّض الانسحاب الأمريكي السوريين الأكراد، حلفاء واشنطن في الصراع الدولي ضد داعش، إلى عملية عسكرية تركية. تؤيد الولايات المتحدة فكرة منطقة عازلة في شمال سوريا لإبقاء المقاتلين الأكراد والجيش التركي على مسافة آمنة بينهم، لكنّ أردوغان يصر على سيطرة تركية أحادية على المنطقة المقرر أن تكون بعمق 30 كيلومتراً. ويرفض الرئيس التركي خطة للولايات المتحدة تقضي بنشر قوة متعددة الجنسيات لمراقبة تلك المنطقة.

واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي
جزء من الأحجية الأمريكية-التركية هو خطة صارمة لأردوغان تريد جعل تركيا أول حليف أطلسي ينشر نظام أس-400 الصاروخي الروسي. رفضت السلطات التركية بما فيها أردوغان مطالب الحلفاء الغربيين بالتخلي عن هذه الصفقة واعتماد الهندسة الدفاعية الغربية الصنع. في 20 فبراير الحالي، قال وكيل وزير الصناعات الدفاعية في تركيا والمسؤول عن العقود الشرائية العسكرية اسماعيل دمير إنّ نظام أس-400 سيدخل الخدمة في أكتوبر المقبل. هذا النظام الدفاعي هو مصدر محتمل آخر لولادة أزمة بين واشنطن وأنقرة. بدت تصريحات دمير شبيهة جداً برد رسمي تركي على نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الذي كرر خلال مؤتمر الأمن في ميونخ تحذيرات لتركيا بعدم شراء النظام الروسي، مؤكداً أنّ بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء شراء حلفاء في الناتو أسلحة من خصوم الولايات المتحدة.

عقوبات
يشمل التحذير أيضاً تهديدات بإلغاء عقد عسكري تركي لشراء معدات عسكرية، هذه المرة من الغرب. تركيا هي جزء من ائتلاف متعدد الجنسيات تقوده الولايات المتحدة لبناء مقاتلة من الجيل التالي ل أف-35 وقد التزمت بشراء 100 مقاتلة على الأقل. في 19 فبراير، حظر ترامب نقل هذه المقاتلات إلى تركيا حتى يرسل وزير الخارجية تحديثاً للتقرير حول شراء نظام أس-400.

إذا عمدت تركيا إلى إنجاز هذه العملية، فسيتطلب مشروع القانون الصادر عن الكونغرس من الوزارات الأمريكية المختصة أن تصيغ وصفاً مفصلاً لخطط فرض العقوبات وفقاً للمادة 231 من قانون مكافحة التأثير الروسي في أوروبا وأوراسيا لسنة 2017.

نظرته الإخوانية مكلفة
إنّ الجهود التركية الممنهجة لدعم مجموعات إسلاموية مختلفة في الشرق الأوسط وفي أنحاء عدة من حوض المتوسط هي سبب قلق لدى الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة والتي تتمتع بأجندة لنشر الاستقرار في المنطقة. نتيجة لارتباط أردوغان الأيديولوجي مع مجموعات مثل حماس والإخوان المسلمين، دخلت تركيا حرباً باردة مع لائحة طويلة من الدول الإقليمية بما فيها الإمارات والسعودية ومصر. وأضيفت توترات جديدة مؤخراً إلى اللائحة حين انتقدت ليبيا والجزائر شحنات الأسلحة التركية إلى المقاتلين الإسلامويين.
في ديسمبر (كانون الأول) أعلنت السلطات الليبية في ميناء الخمس على الحدود الليبية الجزائرية اكتشاف حاويتي أسلحة من تركيا تضم صواريخ و 48 مليون طلقة من الذخيرة. وقال مسؤول جزائري لصحيفة الوطن إنّ "هدف هكذا نشاط ليس زعزعة استقرار ليبيا وحسب بل إرسال ترسانة كهذه إلى مناطق غير مستقرة من ضمنها الجزائر".

مع أو بدون سفير.. الطريق وعرة
غالباً ما تشكل أيديولوجيا أردوغان المناهضة للغرب حلفاء غرباء لتركيا. انضمت الأخيرة إلى روسيا والصين وإيران في دعم نظام نيكولاس مادورو البالي في فنزويلا. حين وقّع ترامب أمراً تنفيذياً في نوفمبر (تشرين الثاني) مفوضاً فرض عقوبات على الذهب الفنزويلي، وذلك بعدما أرسل موفداً يحذر تركيا من الاستمرار في التجارة معها، قامت شركة تركية غامضة تدعى ساردِس ذات رأسمال قيمته مليون دولار فقط بنقل 900 مليون دولار من المعدن النفيس من فنزويلا.

مع أو بدون سفير أمريكي مقيم في أنقرة، هنالك أكثر من دليل لتوقع طريق وعرة بين الحليفين الاستراتيجيين السابقين اللذين باتا اليوم حليفين على المستوى النظري فقط، أو في معجم أكثر واقعية، خصمين أيديولوجيين.