الممثل رامي مالك.(أرشيف)
الممثل رامي مالك.(أرشيف)
الجمعة 1 مارس 2019 / 19:41

رامي مالك

لو أن مالك -هذا الفتى القبطي اللطيف- كان قد سلك طريق العنف والجريمة –مثلاً-، لحمّلوا كل المسؤولية إلى سمالوط، تلك القرية الصعيدية التي ينحدر منها وإن لم يعش فيها يوماً

عليّ أن أعترف منذ البداية بأني لا أمتلك إجابة للسؤال الأهم في الشرق الأوسط على مدار الأسبوع الماضي، فلا أدري إن كان رامي مالك يعتبر مصرياً أو أمريكياً، ولا أدري إن كنت أتفق مع هذا المعسكر أم ذاك.

ولكن أتفهّم بالطبع ما هي الأسباب التي دعت بعض العرب إلى نهينا عن التصفيق فخراً وسعادة بإنجاز هذا الممثل الرائع.
فهو مواطن أمريكي وُلد في لوس أنجليس، وترعرع تحت سماء كاليفورنيا الليبرالية، ونطق الإنجليزية بلكنتها المتحررة كأمواج المحيط الهادئ. رامي لم "يشرب من نيلها"، ولم يتعلق بالأوتوبيس كل صباح في طريقه لجني رزقه. ولو كان بيننا في هذا الجزء من العالم لوُئدت موهبته مبكراً، وحُصرت خياراته على الطب والهندسة، ناهيك عن أن يُسمح له بأن يتقمّص شخصية مطرب مجوسي الديانة، ومثلي الميول الجنسية.

لست غافلة عن "البجاحة" الطفيفة في نسبنا مالك إلى العالم العربي، وهو الذي درس المسرح في إحدى جامعات إنديانا، ومن ثم طرق أبواب الشهرة من خلال "مستر روبوت"، وليس كوجه شاب يتعرّض لسخرية سمير غانم في إحدى المسلسلات. بصراحة، لا فضل لنا ولا منة في ما وصل إليه من نجاح وخلود.

ولكننا للأسف بتنا نستسلم من حيث لا ندري إلى تلك السردية التي ينتهجها متطرفو الغرب ويمينيوه، ونرددها بدقة عالية. فمن العجيب حقاً أن العرب الذين أصروا على نسب مالك إلى بلاد العم سام اتفقوا على نفس الخطوط العريضة مع أولئك الأوغاد البيض الذين مطوا شفاههم امتعاضا ًإذ راحوا يشاهدون حفل الأوسكار، ونفوا عن رامي أمريكيته!

عندما يخفق أحد منا في بلاد الغرب، نسارع إلى جلد ذواتنا باسم الواقعية والشفافية. فنحن الذين نصنع التشدد والكراهية والعنف، ونحن الذين نغذّي أجيالنا على الفوضى والكسل والتفرقة الجندرية، ثم نصدر هذه الآفات في قوارب اللاجئين، والمهاجرين الشرعيين، والطلبة المبتعثين.

وحينما ينجح أحد منا خارج حدود وطننا الشاسع، فنسارع أيضاً إلى جلد ذواتنا باسم المزيد من الواقعية والشفافية. فنحن الذين لا نتعلم من دروس التقصير والإهمال والفساد والمحسوبيات، ونحن الذين نتخلى للعالم عن أجود عناصرنا وأصدقها موهبة.

وما أشبه ذلك في الواقع بما يُقال في الغرب، وإن كانت الصورة معكوسة بعض الشيء.
فهم يحتكرون قصص النجاح لأنفسهم، بينما يتبرؤون من الفشلة والعصاة، ولو أن مالك -هذا الفتى القبطي اللطيف- كان قد سلك طريق العنف والجريمة –مثلاً-، لحمّلوا كل المسؤولية إلى سمالوط، تلك القرية الصعيدية التي ينحدر منها وإن لم يعش فيها يوماً، فلا يهم حينها الدور الذي لعبوه هم في تنشئته وتربيته.

ولأختتم المقال، فلأستعيد الكلمات الحكيمة التي نطق بها روميلو لوكاكو، نجم كرة القدم الشهير، فقال، "(فقط) حينما تسوء الأمور بالنسبة إلي (في الملعب)، يبدؤون في وصفي بالمهاجم البلجيكي ذي الأصول الكونغولية".