رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الأحد 3 مارس 2019 / 19:38

توصية المدعي العام، وماذا بعد؟

تشكيل حكومة ائتلافية يبدو أقل مشقة بالنسبة لنتانياهو، الذي لن يتورّع عن ارتكاب كل ما يخطر ولا يخطر على البال للبقاء على رأس الحكومة، وتفادي العار، وربما السجن، في حال أدانته المحكمة في قضايا الفساد

أخيراً، رجحت كفّة التوقّعات، وقدّم المدعي العام توصية بتوجيه الاتهام لرئيس الوزراء الإسرائيلي، في ثلاث قضايا شغلت الرأي العام على مدار السنوات الماضية. جاءت توصية النائب العام بناء على توصيات الشرطة، التي وجدت بعد تحقيقات مكثّفة ما يستدعي محاكمة نتانياهو بتهم الفساد، والرشوة، وخيانة الأمانة.

وبهذه الطريقة حسم المدعي العام أمره، ولم يستجب لطلب من نتانياهو بتأجيل تقديم التوصيات إلى ما بعد الانتخابات النيابية في التاسع من أبريل (نيسان) المقبل. وبقدر ما يتعلّق الأمر بالقانون الإسرائيلي فإن توصية النائب العام لا تُعتبر مسوّغاً قانونياً لإرغام نتانياهو على الاستقالة، كما أن جلسات الاستماع التي يحتاجها فريق الدفاع عنه قد تستغرق فترة طويلة من الوقت، ما يعني أن نتانياهو قد يتمكن، في حال الفوز، من تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، وربما من سن قانون لا يجيز محاكمة رئيس للوزراء في فترة ولايته.
لذا، لا يبقى في المعادلة السياسية، كما تتجلى في الوقت الحاضر، وقبل موعد الانتخابات بأربعة أسابيع، سوى الاحتكام إلى معيار أخلاقي يحض على الاستقالة، كما يقول خصومه. وهذا، أيضاً، ما لا يبدو خياراً عملياً في نظر نتانياهو نفسه، فهو لم يرفض الاستقالة وحسب، بل واتهم جهازي الشرطة والقضاء بشن حملة تشبه صيد الساحرات للنيل منه.

والمفارقة، في هذا السياق، أن نتانياهو قد احتكم إلى المعيار الأخلاقي نفسه في العام 2008، وكان حينها في المعارضة، بعدما صدرت توصية من المدعي العام بمحاكمة رئيس الوزراء في ذلك الوقت، إيهود أولمرت، بتهمة الفساد، وطالبه نتانياهو بالاستقالة. ذاكرة السياسيين قصيرة، بطبيعة الحال، خاصة إذا فشلوا في التمييز بين المصيرين الشخصي والعام.

وهذا ما يتجلى في سلوك لنتانياهو عشيّة الانتخابات. ولعل في صعوده المفاجئ في المشهد السياسي الإسرائيلي، ونجاحه على مدار العقود الثلاثة الماضية، في النهوض من كبوات كثيرة، ما يمنحه، اليوم، قدراً من الثقة في قدراته الذاتية، التي ستمكنه من تجاوز الأزمة، وتذليل الصعاب، حتى وإن استدعى الأمر التحريض على مؤسسات الدولة الإسرائيلية نفسها، بما فيها الشرطة والقضاء، واللعب بأوراق محظورة من نوع التحالف مع جماعات عنصرية وإرهابية بنص القانون الإسرائيلي نفسه.

بمعنى أكثر مباشرة، يحتاج نتانياهو إلى جرعة مضاعفة من سياسات الشعبوية والتحريض للحفاظ على النواة الصلبة لقاعدته الانتخابية. لذا، وكما قلب الكفّة، وحرّض جمهور الناخبين اليهود في الانتخابات الأخيرة بالقول إن "العرب يتقاطرون على صناديق الانتخاب"، يحذر، اليوم، أنصاره، ويضعهم بين خيارين في شعار عنصري أطلقه مؤخراً: "بيبي أو الطيبي". بيبي هو اسم نتانياهو المتداول بين الإسرائيليين، والطيبي إشارة إلى أحمد الطيبي، عضو الكنيست العربي، الذي قد تشكّل قائمته البرلمانية شبكة أمان لتحالف "أبيض ـ أزرق" المعارض.

واللافت أن ثمة ما يشبه التكافؤ في موازين القوى بين معسكر اليمين القومي ـ الديني، الذي يتزعمه نتانياهو، ومعسكر يسار الوسط، الذي يتزعمه غانتس، صاحب المرتبة الأولى في تحالف "أبيض ـ أزرق". ولم يتضح حتى الآن تأثير توصيات المدعي العام بشأن توجيه الاتهام لنتانياهو في قضايا رشوة وفساد، فالأحزاب والقوى الرئيسة المتحالفة معه، وكذلك قاعدته الانتخابية في الليكود، لم تنفض عنه، بل وربما تُسهم حملته التحريضية في تصليب المواقف. ولا نعرف، حتى الآن، متى سيبدأ البعض في القفز من مركب تغرق.

وإذا كان من الواضح أن فرص تحالف "أبيض ـ أزرق" تبدو أفضل من الليكود في الفوز بأكبر عدد من المقاعد، إلا أن تشكيل حكومة ائتلافية يبدو أقل مشقة بالنسبة لنتانياهو، الذي لن يتورّع عن ارتكاب كل ما يخطر ولا يخطر على البال للبقاء على رأس الحكومة، وتفادي العار، وربما السجن، في حال أدانته المحكمة في قضايا الفساد. لذا، فلنحتفظ في الذهن باحتمال أن تنطوي الأسابيع القليلة القادمة على مفاجآت وأوراق سياسية يسعى نتانياهو للعب بها في اللحظة الأخيرة.

وتبقى مسألة أخيرة، تتعلّق باحتمال طرح "صفقة العصر" الأمريكية بعد الانتخابات. ولأمر كهذا تأثير مباشر على هوية وماهية الائتلاف الحكومي المُحتمل، ولا ينبغي استبعاد تحوّلات اللحظة الأخيرة، التي تعيد قلب كل الأوراق. وهذا يعتمد، إلى حد بعيد، على تحوّل الاحتمال إلى حقيقة، وتفاصيل "الصفقة"، التي ستصبح عنصراً حاسماً في تشكيل الائتلاف الحكومي من جانب هذا الطرف أو ذاك. ثمة علامات استفهام كثيرة في هذا الشأن، ولن يطول الوقت قبل العثور على إجابات كثيرة لأسئلة تبدو محيّرة عشيّة انتخابات هي الأهم في تاريخ الدولة الإسرائيلية.