مشهد من مسرحية «مشاهد من الحياة الزوجية».(أرشيف)
مشهد من مسرحية «مشاهد من الحياة الزوجية».(أرشيف)
الإثنين 4 مارس 2019 / 19:10

مشاهد من الحياة الزوجية

بنيت مسرحية ميشال جبر على فيلم إنغمار بيرغمان الذي ينعي الزواج ويحاكمه لكن المسرح والمشاهد المسرحية بقيت على أرضنا ودارت على أرضنا وبتقاليدنا وأعرافنا

ميشال جبر يستلهم إنغمار برغمان في فيلمه المثلث، «مشاهد من الحياة الزوجية». مسرحية ميشال جبر مثلها مثل افلام برغمان قائمة على التناقض وعلى التفاعل المعكوس، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فالزوجان في البدء متآلفان وصلتهما أقرب الى الغرام، وما بينهما لا يقل عن التآلف والمسامرة والتدليل. بدون مقدمات أو تمهيدات ومن قلب المسايرة والحب، يرفع الرجل رأسه قبالة زوجته ليقول لها، وبالحقيقة ليفاجئها بأنه لن يكمل معها ولا يستطيع أن يواصل معها. إنه عاشق وله معشوقته وبينهما حب وغرام وسيغادر البيت الى مساكنتها. هذه المفاجئة هي من صنع ميشال جبر، وهي أقرب إلى تراثنا وإلى أسرارنا منها إلى التقليد الأوروبي والسويدي، إذ لا تجري الأمور هناك بالخفاء وفي السر وتتكشف في لحظة تجمع بين القرب والبعد. أمور كهذه لا تحتاج في السويد إلى سرية وتستّر ومواربة وتعتيم، أمور كهذه لا تنفجر بغتة في الغرب بل تكون مسبوقة بمناوشات يخوض فيها الإثنان وبعلن مكشوف وبمصارحة كافية. لذا نجد أن المشهد الذي دار حول طاولة قد تكون المائدة ما يجعلها أكثر إلفة لكنها تنقلب من مائدة مشتركة الى شجار وإلى صدمة وإلى غضب وعنف ونزاع وإلى انفصال وافتراق لم نكن مستعدين لها، ولا بد أن الزوج والزوجة مستعدان لها لقد انفجر هذا بينهما وفجره الزوج الذي يبدو، كما نفهم منه، كأنه منذ وقت طويل وهو يوارب زوجته ويقيم علاقة أخرى خارج البيت.

لا نستطيع بسهولة أن نقبل هذه السرية، ولا نستطيع بسهولة أن نفهم هذا التعتيم وهذا التستّر، ولا نستطيع أيضاً أن نقبل المفاجأة والصدمة والتعتيم والمواربة والاخفاء، فليس هذا من شيم الغرب وخاصة السويدي منه. ليست التستر والخفاء من قيم الغرب في هذا المجال. الأرجح أن مشاهد من الحياة الزوجية على هذا النحو وبهذه الصيغة مألوفة عندنا بل هي أقرب إلى أعرافنا وتقاليدنا. التعتيم هو ما نقوم نحن به، والصدمة هي ما يفاجئ المرأة الزوجة وما يصلها لا من زوجها ولكن من الأقربين والأبعدين والوشاة، ثم أن المفاجأة المستفزة والتي تستفز العنف وتستفز النزاع هي أقرب إلينا من السويد.

لقد بنيت مسرحية ميشال جبر على فيلم إنغمار بيرغمان الذي ينعي الزواج ويحاكمه لكن المسرح والمشاهد المسرحية بقيت على أرضنا ودارت على أرضنا وبتقاليدنا وأعرافنا، فالمشاهد الزوجية التي شاهدناها على مسرح المدينة هي أقرب إلى مألوفنا وإلى رؤيتنا، فالخيانة هنا هي الخيانة والتستر عليها هو التستر، والعلاقة بين الإثنين الزوج والزوجة هي أقرب إلى ميثاق وإلى عقد. ما ينقص البيت هو العائلة والأولاد. هذا النقص سيظل سارياً حتى بعد أن يعاود الزوجان اللقاء، الزوج كما نفهم هجر عشيقته أو هجرته عشيقته والزوجة التي وجدت بعد الافتراق رجلاً اخر لحياتها هي الأخرى غاضبة حائرة، بين أن تسترد علاقتها بالزوج او تهجره. غضبها هذه المرة متصل ولو من بعيد بهجر زوجها لها. لقد فشل الاثنان في علاقتيهما الجديدتين، وهما بعد فشلهما الثاني يريدان ولا يريدان أن يستردا علاقتهما الأولى. مرة ثانية بعد اللقاء الثاني ينفجر العنف، لكن مع ذلك ثمة إمارات عودة. هكذا ينفتح هذه المرة باب الغرب، وننتقل حقاً الى السويد.