الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الجمعة 8 مارس 2019 / 16:41

أردوغان العالق بين صفقتي صواريخ

رأت أسلي أيدنتاسباس، الباحثة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شراء الصواريخ الروسية "إس 400" هو السبب الرئيسي في جميع الأزمات التي تواجه التحالف الذي دام عقوداً طويلة بين تركيا والولايات المتحدة.

جهود أردوغان لإثبات أن تركيا لديها خيارات وليست تابعة للولايات المتحدة أدت إلى تنغير الشركاء الغربيين وإضعاف الاقتصاد التركي

وتُشير الباحثة، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إلى أن التحالف بين أنقرة وواشنطن يواجه العديد من التوترات منذ 2015 لعدة أسباب أبرزها استياء أنقرة من دعم الولايات المتحدة للأكراد السوريين. ومن ناحية أخرى يتزايد شعور واشنطن بأن أنقرة شريك غير موثوق فيه في الشرق الأوسط.

توترات  
وبحسب الباحثة، لم يتسامح أردوغان قط مع واشنطن لاعتقاده بدعمها الضمني لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، وفي الوقت نفسه لم تقبل واشنطن بشكل كامل مشروع أردوغان لتحويل بلاده إلى النظام الاستبدادي. وحدث خلل في العلاقة بين البلدين لدرجة أن إدارة ترامب فرضت عقوبات على اثنين من كبار المسؤولين في الحكومة التركية خلال العام الماضي من أجل ضمان الافراج عن القس الأمريكي المعتقل في تركيا.

ولكن الباحثة ترى أن الآتي أسوأ بالنسبة للعلاقات الأمريكية التركية؛ إذ إن قرار تركيا شراء أنظمة الدفاع الصاروخية الروسية "إس 400" هو السبب الرئيسي في كل الأزمات التي تواجه التحالف الذي دام عقوداً طويلة بين البلدين؛ حيث ترى الولايات المتحدة أن نشر معدات روسية متقدمة من قبل شريك رئيسي بحلف الناتو يهدد بكشف أسرار الحلف، ويشكل سابقة يمكن أن تضر بمبيعات الأسلحة الأمريكية المربحة كما يجعل تركيا أكثر اعتماداً على روسيا. وبالفعل هددت واشنطن بمعاقبة تركيا بفرض عقوبات ضدها إذا تسلمت الأسلحة الروسية، بما في ذلك حظر بيع الجيل الجديد من مقاتلات "إف 35" إلى تركيا.
  
أزمة صفقة الصواريخ الروسية
وتقول تركيا إن صفقة الأسلحة الروسية قد تمت بالفعل ولا يمكن التراجع عنها، ولكنها تستطيع أيضاً شراء صواريخ "باتريوت" الأمريكية رغم الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا، وأن شراء نظامين كبيرين سيكون عبئاً هائلاً على البلاد، ولكن واشنطن تصر على أن تركيا شراء نظام واحد فقط.

وتوضح الباحثة أن روسيا تحاول استغلال التصدعات داخل حلف الناتو لتدمير ما تبقى من "التحالف الغربي"، وباتت تركيا ضعيفة لأن أردوغان يجد صعوبة في التحرك في سوريا من دون موافقة روسيا، وعلى عكس الأمريكيين والأوربيين لا يهتم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكيفية إدارة أردوغان لبلاده، وهو ما يقدره الأخير.

ومن المتوقع أن تحدد نتيجة أزمة صواريخ "إس 400" مكانة تركيا في الغرب، وربما تكون بمثابة الخروج الرسمي لتركيا من الناتو. ومن وجهة نظر روسيا من شأن خسارة أحد الأعضاء المهمين في الناتو إضعاف الحلف وانتشار الأنظمة الروسية.

ومع ذلك، فإن مدى اهتمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بكل هذا لايزال غير واضحاً حتى الآن، فقد تدخلت إداراته في وقت متأخر جداً للضغط ضد صفقة الأسلحة الروسية، مما وضع أردوغان في موقف حرج مع الروس قبل أشهر فقط من تسليم الصفقة في يوليو (تموز). ولم يساعد التقارب بين أردوغان وترامب في تغيير الأمور، وفي محادثة هاتفية مؤخراً عرض أردوغان على ترامب شراء الصواريخ الروسية والأمريكية أيضاً وطلب من الأخير اقناع الكونغرس بذلك. ولكن الكونغرس لا يرغب في قبول الأمر على وجه التحديد لأنه يدرك تماماً أن وصول الصواريخ الروسية إلى تركيا من شأنه أن يحض الآخرين على تكرار ذلك، ولا يمكن الوثوق بترامب تماماً فيما يتعلق بهذا القرار.

أنقرة في موقف ضعيف
وبحسب الباحثة، يرجح أن تشهد الأشهر الأربعة المقبلة تصعيداً، وبالفعل يلجأ الجميع إلى المناورات باستثناء الروس، إذ إن بوتين يُعد زعيم مافيا في نهاية المطاف، ومن وجهة نظر أردوغان سيكون من الصعب التراجع عن الصفقة مع بوتين، لاسيما أن الأخير لا يقدم له نظاماً للأسلحة فقط وإنما حماية دائمة لنظام حكمه، تماماً كما تفعل روسيا مع الحلفاء الآخرين مثل نيكولاس مادورو في فنزويلا.
وتضيف الباحثة: "وضعت أنقرة نفسها في موقف ضعيف مع موسكو. ففي اللحظة التي ستقوم فيها أنقرة بإلغاء الصفقة يمكن لبوتين أن يشن هجوماً ضد الأخيرة في إدلب بسوريا ويدفع نحو ثلاثة ملايين شخص إلى الحدود التركية".

ولكن من ناحية أخرى، لايزال التحالف الأمريكي التركي يضمن لتركيا مكاناً في الغرب. وعلى الرغم من أن التحالف يفتقر إلى الثقة والتوجيه فإن أردوغان يدرك جيداً أن الابتعاد عن الغرب سيكون بمثابة ضربة قاسية لتركيا وسيؤدي إلى المزيد من التدهور في الديمقراطية التركية وفقدان ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي.

صفقة جديدة
وتلفت الباحثة إلى أن أردوغان يدرك أيضاً أنه يستطيع التفاوض بشكل أكبر مع الولايات المتحدة، وبخاصة لأن الخطوط الحمراء الأمريكية ليست حاسمة بما يكفي، وسيحاول اقناع واشنطن بقبول حل وسط، وربما تشتري تركيا صواريخ "إس 400" الروسية ولكن يمكن أن تظل في المستودعات أو أن يتم إرسالها إلى طرف ثالث، ولكن في المقابل سوف يطالب أردوغان برأس الأكراد السوريين على طبق من ذهب، وليس من المستبعد أن توافق واشنطن على ذلك.

وحتى لو توصل أردوغان إلى صفقة أخرى في اللحظة الأخيرة، فإن ذلك لن يقود إلى حل مشاكل تركيا. فعلى الرغم من أن أردوغان يبدو قوياً، فإن الجدل حول الصفقة الروسية يعكس الموقف الضعيف الذي وضع فيه تركيا، والواقع أن جهوده لإثبات أن تركيا لديها خيارات وليست تابعة للولايات المتحدة أسفرت عن إبعاد الشركاء الغربيين وإضعاف الاقتصاد التركي، وتواجه البلاد الآن خطر أن تصبح تابعاً لروسيا.

وتختتم الباحثة بأن التحالف مع الغرب جعل تركيا على مر السنين دولة غنية وقوية، ولكن روسيا بقيادة الرئيس بوتين ليس لديها مثل هذه الخطط بالنسبة إلى تركيا، وأيا كانت الأسلحة التي سوف تشتريها الحكومة التركية من روسيا فإن هذا الأمر لن يتغير.