تعبيرية (أرشيف)
تعبيرية (أرشيف)
الجمعة 8 مارس 2019 / 19:22

كيف تربي الحيوانات الضارية

لن أتعاطف معهم حين تسوء النتائج -على غرار ما حدث للتشيكي مايكل براسيك الذي قتله أسده خلال الأيام الماضية، ولن أشفق عليهم كما لو كانوا الضحايا الشغوفين لقصة حب عاصفة، فهم في الواقع دفعوا ثمن رغبة ذكورية ملحة للهيمنة على المخلوقات

بينما ترزح "الكات ليدي" –وهو مصطلح يرمز إلى المرأة المهووسة بتربية القطط- تحت أنقاض سمعتها السيئة، فقد تطوّعت إحدى الكاتبات الأستراليات لأن تنشر مقالاً "غادراً" في 2016 يحتفي بتزايد ظاهرة الرجال المربين للقطط، إذ اعتبرتهم شجعاناً مجددين، يتحدون المفاهيم التقليدية البائدة للرجولة.

بل ودعّمت هذه الخائنة مقالها بإحصاءات من أستراليا تزعم بأن الرجال المربين للقطط أسبق بنسبة 29% لتقبل الأقليات، وأكثر ميلاً بنسبة 24% للاعتدال السياسي، في إشارة إلى تغلّبهم على الذكورية السامة التي تغذي الكراهية والعنصرية. ولا أخفيكم حقدي عليها آنذاك، إذ اعتبرت نفسي وقططي السبعة –أو هم ثمانية، لا أدري- أولى بتأييدها، ودفاعها عنا.

بيد أني استوعبت الآن السر "مياو وراء" الاحتفاء بهؤلاء الذكور. أو بكلمات أخرى، لقد فهمت ماذا يعني حقاً "تنازل" رجل ما لأن يربي حيواناً أليفاً، وديعاً، مدجّناً، قليل الحيلة. بل وعديم المنفعة بصراحة.

يوضّح كتاب "الميسوجينية" للباحثة جيل أوكوكييس أن الأنظمة البطريركية جعلت الطبيعة بأسرها أداة أخرى للتعبير عن الرجولة المزعومة، فلم تعد الحيوانات في مأمن من تجليات الذكورية السامة، لا سيما عبر تأكيد القدرة على قتلها وحبسها وترويضها، واستهلاك لحومها وفرائها.

فمراسم بلوغ الفتيان لدى قبيلة الماساي –مثلاً- تستدعي نفي الشاب، فلا يعود حتى يقتل أسداً ليُعترف له برجولته. أما في العصر البرونزي، فكان المراهق الروسي مُلزماً بقتل كلب أو ذئب ليُسمح بتحوله إلى محارب.

قد نتوهم عموما ًبأن هذا التعبير المثير للشفقة عن الرجولة بات في طريقه للانقراض في ظل تضخّم الوعي بحقوق الحيوان، وتغليظ العقوبات لمنتهكيها. أو قد نعتقد بأنه بات مقتصراً على فعاليات الصيد، وهي المُستهجنة والمحظورة أكثر من أي وقت مضى.

ولكن من الغريب أن هذه الممارسات المفعمة بالذكورية السامة تصدر من قعر البيوت النابضة بحب الحيوانات، وفي أفنيتها وأحواشها الرحبة، وأمام المتابعين المنبهرين في وسائل التواصل الاجتماعي. فيجرّ أحدهم حيواناً ضارياً مفترسا ًمن بيئته، وينفق الوقت والأموال والجهود، ويخاطر بأمنه وسلامته، ليجعل منه حيواناً أليفاً رغماً عن أنفه، رافضاً ومتعالياً على فكرة تربية الحيوانات "الضعيفة"، الهيّنة، المطواعة.
كالقطط ... بحسب ما تتظاهر به، على الأقل.

إني لا أكذّب العواطف التي يكنّها مربو هذه الحيوانات المتوحشة لتنانينهم النافثة للنيران، وطائر الفينيق الذي يوقظهم صباحاً ببعثه من الرماد. ولا أنكر قدرتهم الاستثنائية على ترويض وحيد القرن ليخرم لهم الأوراق، ويرتبها في الملفات.

ولكني لن أتعاطف معهم حين تسوء النتائج -على غرار ما حدث للتشيكي مايكل براسيك الذي قتله أسده خلال الأيام الماضية-، ولن أشفق عليهم كما لو كانوا الضحايا الشغوفين لقصة حب عاصفة، فهم في الواقع دفعوا ثمن رغبة ذكورية ملحة للهيمنة على المخلوقات، وإخضاعها، والتغلّب على طبيعتها.
هل سينتقص من رجولتكم حقاً أن تربوا صنفاً أقل شراسة من القطط؟