مقاتلون من حزب الله.(أرشيف)
مقاتلون من حزب الله.(أرشيف)
الإثنين 11 مارس 2019 / 15:24

حزب الله أقوى من أي وقت.. هل قررت أمريكا إنهاءه؟

حذر الباحث بريان كاتز، زميل زائر بمركز الشؤون الاستراتيجية والدولية ومجلس العلاقات الخارجية، من أن اضطرابات المنطقة والانتصارات العسكرية التي حققها حزب الله في ساحة المعركة السورية فضلاً عن ترسانة الأسلحة الهائلة المتوافرة لديه في لبنان، قد جعلته أقوى من أي وقت مضى ولاعباً إقليمياً لا يستهان به.

على المجتمع الدولي الضغط على حزب الله للحد من أنشطته الاستفزازية مثل إنتاج الذخائر الدقيقة وبناء الأنفاق العابرة للحدود، وربما تلعب روسيا دوراً في تقليل خطر التصعيد غير المرغوب فيه

ويُشير الباحث، في مقال تحليلي مطول بمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، إلى أن حزب الله يملك قوة عسكرية وسياسية أكبر من أي وقت منذ تأسيسه في 1985، ولكن هذه القوة الجديدة تحمل في طياتها إشكاليات جديدة؛ حيث إن توسع حزب الله بلا رادع في بلاد الشام لم يلفت اهتمام الولايات المتحدة لتسليط الضوء على أنشطة التنظيم فحسب، وإنما دق أيضاً ناقوس الخطر في إسرائيل، وباتت الضربات العسكرية الإسرائيلية داخل لبنان محتملة بوضوح لتقويض نفوذ حزب الله.

مأزق
وعلى رغم أن حزب الله يحاول تحقيق التوازن بين الالتزامات المحلية والإقليمية وتجنب الدخول في صراع كبير آخر مع إسرائيل، فإنه بات في مأزق لأن كل خطوة يتخذها استعداداً لهجوم إسرائيلي محتمل تجعل المواجهة بينهما أكثر احتمالاً، ومن شأن أي إخفاق أن يقود إلى كارثة بالنسبة إلى حزب الله ولبنان والمنطقة.

ويوضح الباحث أن حزب الله قد تشكل من حملة المغامرات العسكرية التي استمرت لسنوات طويلة في المنطقة، وخلال 2013، أرسل الحزب آلاف المقاتلين إلى سوريا للقتال في صفوف نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد قوات المعارضة وتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية. وكانت الحرب الأهلية السورية وجودية بالنسبة إلى حزب الله لأن سوريا جزء من محور المقاومة المعادي للغرب وإسرائيل (حزب الله وإيران وسوريا) وهي الممر الذي تستخدمه إيران لنقل الأسلحة والإمدادات لحزب الله في لبنان.

وساعدت ميليشيات حزب الله نظام الأسد على استعادة حلب، وانتشر مقاتلوها نحو الشرق باتجاه الحدود العراقية ووادي نهر الفرات، مما عرقل تقدم القوات الكردية والعربية المدعومة من الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه انتشرت الميليشيات الشيعية جنوباً باتجاه هضبة الجولان وهزمت قوات المعارضة المتبقية، وتم تعزيز قدرات المحور المعادي لإسرائيل وبناء المرافق العسكرية والبنية التحتية للأسلحة.

مكاسب سياسية

وحتى مع استهلاك القتال في سوريا للكثير من القوة البشرية لحزب الله، فإن البعثات الاستطلاعية الصغيرة كانت تنتشر في مناطق صغيرة أخرى؛ فقد انضم حزب الله إلى إيران في نشر المدربين والمستشارين لدعم الميليشيات الشيعية التي تقاتل داعش في العراق. وهو يساعد المتمردين الحوثيين في اليمن.
  
ويرى الباحث أن الهدوء النسبي للجبهة المحلية للحزب قد ساهم في الحفاظ على انتشاره بالخارج، وحتى مع سلسلة هجمات داعش وجبهة النصرة في بيروت وعلى طول الحدود اللبنانية مع سوريا بين 2013 و2015 والتي هددت بزعزعة استقرار البلاد، فإن حزب الله والقوات المسلحة اللبنانية قد نجحا في طرد هذه العناصر، وفي الوقت نفسه لم تتصاعد التوترات بين حزب الله وإسرائيل على حدود لبنان الجنوبية. وقد نجح الحزب تدريجياً في ترسيخ نفسه كلاعب رئيسي مسلح في لبنان.

وفي الوقت نفسه حقق حزب الله مكاسب سياسية داخل لبنان؛ حيث حافظ لأكثر من عقد من الزمن على تحالف مع أكبر حزب مسيحي في لبنان، التيار الوطني الحر الذي تولى مؤسسه ميشال عون الرئاسة في عام 2016، وبفضل جهازه الإعلامي والسياسي المتطور، فاز حزب الله والتحالف الذي يقوده التيار الوطني الحر على نحو حاسم في انتخابات العام الماضي، وحصل الحزب على عدد غير مسبوق من مقاعد البرلمان والوزارات الحكومية. ومن الناحية السياسية، بات الحزب يتمتتع بحق "الفيتو" الفعلي على سياسات الدولة اللبنانية، ويمكنه تقويض منافسيه مثل رئيس الوزراء سعد الحريري.

غنائم الحرب
ويلفت الباحث إلى المكاسب التي حققها حزب الله من الحرب السورية حيث تحول التنظيم من حرب العصابات إلى جيش كامل لديه ست سنوات من الخبرة في ساحات المعركة الحقيقية. وباتت ميليشيات حزب الله التي يتراوح عددها بين 20 و 30 ألف مقاتل أكثر صلابة في القتال، وإذا امتزجت قدرات حزب الله الدفاعية في جنوب لبنان بالقدرات الهجومية التي اكتسبتها ميليشياته في سوريا، فإنها ستكون قادرة على صد الهجمات الإسرائيلية وشن هجمات داخل الأراضي الإسرائيلية.

وبحسب الباحث، تطورت قدرات حزب الله وتحول إلى لاعب إقليمي لا يستهان به لديه القدرة على نشر القوات في الخارج والحفاظ عليها، إضافة إلى بناء العلاقات الوثيقة مع الحلفاء من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان، ولا ينتج عن ذلك القدرة على تشغيل البنية التحتية العسكرية فحسب، وإنما ترسيخ الروابط الإيديولوجية المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها.

ولكن إسرائيل تراقب نجاحات حزب الله بقلق متزايد، لاسيما أن التنظيم، بدعم إيراني، عمد إلى تشكيل ميليشيات شيعية من أفغانستان والعراق وباكستان وسوريا مستعدة للانضمام للتنظيم في حرب مع إسرائيل. ولذلك يرى المسؤولون الإسرائيليون أن المواجهة المقبلة لن تكون "حرب لبنان" وإنما "الحرب الشمالية" الأولى التي ستمتد عبر لبنان وسوريا.

قلق إسرائيل
ويُشير الباحث إلى أن حزب الله يمكن أن ينقل القتال مباشرة إلى إسرائيل؛ إذ قام الجيش الإسرائيلي بعملية استغرقت ستة أسابيع لتدمير عدة أنفاق للحزب تمتد من جنوب لبنان إلى شمال إسرائيل، أما الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لإسرائيل فهو الجهود التي يبذلها الحزب في إنتاج صواريخ موجهة بدقة، إذ تتوافر لديه بالفعل ترسانة هائلة من الطائرات بدون طيار وصواريخ طويلة المدى وصواريخ أرض جو وصواريخ مضادة للسفن قصيرة المدى. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله بمساعدة إيران يقوم بتحويل الصواريخ "الغبية" إلى صواريخ دقيقة موجهة لضرب الأهداف العسكرية والمدنية الإسرائيلية بدقة بالغة.

ويعتبر القادة الإسرائيليون أن تكاليف التراخي عن مواجهة نفوذ حزب الله ستكون باهظة للغاية. ومنذ حرب عام 2006 تجنبت إسرائيل الضربات الكبرى داخل لبنان خوفاً من التصعيد غير المرغوب فيه والعواقب غير المؤكدة. وبدلاً من ذلك عمدت إلى توجيه ضربات جوية ضد الحزب وأهداف إيرانية داخل سوريا لتدمير القوافل ومستودعات الأسلحة بشكل متكرر. ولكن الآن ربما تخلص إسرائيل إلى أنه يتعين توجيه ضربات مباشرة إلى الحزب لتقويض نفوذه، وهو ما تشير إليه تصريحات كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين.

ويلفت الباحث إلى أن حزب الله قد دفع كلفة باهظة لصعوده في الأرواح والأموال، وبسبب الخسائر في سوريا يعاني التنظيم تبعات فقدان آلاف الضحايا وتغطية الأعباء المالية لرعاية الجرحى وعائلات الشهداء. وفي الوقت نفسه يجب أن تبقى ميليشيات الحزب في سوريا والعراق لمواجهة خطر عودة داعش. ومع أنه لا يسعى إلى الحرب مع إسرائيل، سيواجه معضلة كبرى في حال قامت إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية في الأراضي اللبنانية لأن مكانته ودوره في الائتلاف المعادي لإسرائيل ستفرض عليه شن هجوم انتقامي. ومن ناحية أخرى فإن إجراءات الحزب لضمان قدرته على الانتقام وتوجيه هجمات مضادة (بناء ترسانة عسكرية أكثر تطوراً) ربما تثير إسرائيل مما يجعل الحرب أكثر احتمالاً.

حرب إقليمية
ويخلص الباحث إلى أن اندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تسفر عن حرب إقليمية شاملة تتورط فيها أطراف أخرى: نظام الأسد وإيران أو حتى روسيا، وربما يحفز إطلاق الحزب صواريخ على الجيش الإسرائيلي أو المجتمعات المدنية الإسرائيلية الولايات المتحدة على التدخل. ولكن تفادي هذه الأزمة لايزال ممكناً، وبخاصة لأن زعيم حزب الله حسن نصر الله يدرك جيداً أن الحرب مع إسرائيل ستعرض كل مكتسبات التنظيم في الداخل وفي المنطقة للخطر.

ويختتم الباحث أن على المجتمع الدولي الضغط على حزب الله للحد من أنشطته الاستفزازية مثل إنتاج الذخائر الدقيقة وبناء الأنفاق العابرة للحدود، وربما تلعب روسيا دوراً في تقليل خطر التصعيد غير المرغوب فيه، لاسيما أن ثمة فهماً متبادلاً أن الدمار الذي سينتج عن حرب مباشرة بين حزب الله وإسرائيل سيتجاوز بكثير حرب 2006، ولكن لا ضمان لأن يستمر هذا الانفراج، وفي نهاية المطاف قد تكون الانتصارات الأخيرة لحزب الله سبباً في نهاية التنظيم.