جزائريون يحتجون ضد ترشح بوتفليقة في مسيرة يوم الجمعة الماضي (أرشيف)
جزائريون يحتجون ضد ترشح بوتفليقة في مسيرة يوم الجمعة الماضي (أرشيف)
الإثنين 11 مارس 2019 / 18:49

البشير وبوتفليقة.. الحُكم إلى اللحد!

يبدو ظالماً الجمع بين عمر البشير وعبد العزيز بوتفليقة في الحديث عن الرئيس المتشبث بالحكم حتى الممات، فالأول وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري والثاني فاز بكرسي الرئاسة عبر صندوق الاقتراع في انتخابات رئاسية التزمت بشكل تداول السلطة، وإن كانت انتخابات شكلية لم ينافسه فيها مرشح آخر.

قد يتحقق التغيير في البلدين الآن أو غداً أو بعد حين، لكنه حتمي وقادم، لأن البشير ليس قدراً سودانياً لا فكاك منه، ولأن بوتفليقه ليس تعبيراً عن حالة إعجاز فريدة في الجزائر التي تلد القادة والشهداء

والأول جاء امتداداً لمرحلة جعفر نميري التي قطعها لفترة قصيرة الرئيس عبد الرحمن سوار الذهب الذي كان زاهداً في الحكم، والثاني ورث جزائر هواري بومدين، لأن من سبقوا بوتفليقة في خلافة الرئيس التاريخي بومدين، كانوا مؤقتين ولم ينجحوا في ترك بصماتهم على الحياة السياسية في البلاد.

البشير أيضاً كان في البداية أداةً للإسلاميين ورمزهم حسن الترابي، قبل أن ينقلب عليهم محتفظاً برؤيته الخاصة لأسلمة الحكم، وبوتفليقة كان منذ البداية كادراً في جبهة التحرير الوطني التي قادت النضال لتحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي.

الأهم من كل ذلك أن الجزائر ليست مثل السودان، ولكل من البلدين خصوصيته السياسية والمجتمعية، لكن ما يدفع لجمع الرجلين في حديث واحد، هو إصرارهما على المضي في الحكم على العكس من رغبة الجموع الغاضبة في الجزائر والسودان.

وإذا كان ممكناً الاستنتاج المنطقي، فإن الرجلين يتشابهان أيضاً في الفشل. فالأول يحكم في السودان الذي كان يُنظر إليه باعتباره سلة غذاء العرب والأفارقة، لكنه يعيش انهياراً اقتصادياً شاملاً، وقد تفشى الفقر في جهاته الأربع، رغم تنازل الحكم عن كل الجنوب الفقير.

والثاني يحكم في الجزائر الغنية بالنفط والغاز، لكن فساد الحكم أدخلها في قائمة الدول الأكثر مديونية في المنطقة، كما وصلت البطالة فيها إلى معدلات غير مسبوقة.

في الرؤية الموضوعية لما آل إليه حال السودان والجزائر لا قيمة للفروق الشخصية بين الرجلين، ولا صوت أقوى من صوت شارعيهما اللذين يطالبانهما بالرحيل. ولا مبرر يمكن قبوله لإصرارهما على الحكم في زمن يبحث فيه الناس عن الرغيف الكريم، وعن اللقمة الحرة التي لا يضطرون لانتظارها من أصحاب القرار وأجهزتهم الأمنية.

محزن ما يجري في الجزائر التي كانت، وما زالت قبلة الأحرار العرب، ومحزن أكثر ما يجري في السودان الذي يجسد أهله أصالة عروبة مهددة في القارة السمراء، لكن إدمان الحكم يقود إلى هذه المآلات البائسة، ويؤدي إلى المزيد من الغرق في الفقر والعجز الذي لا يلغيه في الجزائر انتصار ثورة عظيمة على الاستعمار الأجنبي الغريب، ولا يبدده في السودان خطاب يلقيه جنرال حاكم يلوح للجمهور بعصاه الغليظة ويوزع الوعود المستحيلة على شعب خبره جيداً وعانى كثيراً من سياساته.

قد يتحقق التغيير في البلدين الآن أو غداً أو بعد حين، لكنه حتمي وقادم، لأن البشير ليس قدراً سودانياً لا فكاك منه، ولأن بوتفليقه ليس تعبيراً عن حالة إعجاز فريدة في الجزائر التي تلد القادة والشهداء.

يظل السودان أهم كثيراً من شخص الرئيس، وتظل الجزائر منارة للحرية يوقدها الوعي الجمعي المتقدم منذ سنوات كثيرة على برامج الحكم وسياسات الدولة. ونظل نذكر اسماعيل الأزهري ومن كان معه من مؤمنين بعروبة كل السودان وكرامة كل السودانيين، مثلما نذكر زمن هواري بومدين الذي حقق معادلة التواؤم بين الثورة والدولة، وقاد الجزائر في مرحلة شهدت النهوض والاستقرار.

وما يريد الناس قوله في البلدين إن الحكم ليس فريضة، وإنه لا يمكن أن يكون مكتوباً باسم أحد من المهد إلى اللحد.