السياسي المخضرم الجزائري الأخضر الإبراهيمي (أرشيف)
السياسي المخضرم الجزائري الأخضر الإبراهيمي (أرشيف)
الثلاثاء 12 مارس 2019 / 17:53

الإبراهيمي.. حمامة سلام بين ثورة الشباب وقبضة القوى في الجزائر

24 - إعداد: شيماء بهلول

فاجأ الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، شعبه أمس الإثنين، بإعلان انسحابه من سباق الانتخابات التي شهدت انتفاضة لا مثيل لها في الشارع الجزائري منذ 22 فبراير(شباط) الماضي، رفضاً للعهدة الخامسة، لكن المفاجأة الكبرى كانت تعيين بوتفليقة لعميد الدبلوماسية الدولية الأخضر الإبراهيمي، رئيساً للمؤتمر الذي سيشرف على المرحلة الانتقالية، فهل ينجح رجل الأمم المتحدة لـ"المهمات الصعبة" في المهمة الجديدة؟.

أشارت مصادر حكومية في الجزائر اليوم الثلاثاء، إلى أن الدبلوماسي المخضرم، الأخضر الإبراهيمي، سيرأس المؤتمر الوطني الجامع الذي اقترحه بوتفليقة للإشراف على المرحلة الانتقالية.

وبحسب بعض المراقبين الجزائريين، فإن بوتفليقة طالما بحث عن شخصية توافقية تحظى باحترام وتقدير الكثيرين في الجزائر، لإعطاء مصداقية أكثر للجنة المشاورات السياسية، ولم يجد أحسن من الإبراهيمي الذي يحظى بثقته وكان دائماً ما يستدعيه إلى مقر الرئاسة لينقل رسائله المهمة إلى الشعب.

فمن هو السياسي المخضرم الذي قضى شبابه وعمره في خدمة قضية وطنه، وقضايا الإنسانية؟

نشأته وبدايته
ولد الأخضر الإبراهيمي في الأول من يناير(كانون الثاني) عام 1934 في العزيزية، الواقعة على بعد 60 كيلومتراً جنوب الجزائر العاصمة، ودرس القانون والعلوم السياسية في الجزائر وفرنسا، وهو متزوج وله 3 أبناء.

ساعد الجزائر على نيل استقلالها عن فرنسا عام 1962، وخلال الفترة بين عامي 1956 و1961 مثل جبهة التحرير الوطني الجزائرية في جنوب شرق آسيا متخذاً من جاكرتا مقراً له.



وشغل منصب سفير الجزائر في المملكة المتحدة بين عامي 1971 و1979، كما عمل أميناً عاماً مساعداً للجامعة العربية خلال الفترة من 1984 إلى 1991، توسط خلالها لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية ثم تقلد منصب وزير الخارجية في بلاده 3 سنوات.

والإبراهيمي عضو في لجنة الحكماء، وهي مجموعة مستقلة تضم عدداً من زعماء العالم تأسست عام 2007 وتعمل من أجل السلام وحقوق الإنسان.

التمثيل الدبلوماسي لدى الأمم المتحدة
التحق الإبراهيمي بالأمم المتحدة ليصبح مبعوثاً خاصاً للمنظمة الأممية، إذ أمضى 6 أشهر رئيساً لبعثة مراقبي الأمم المتحدة في جنوب أفريقيا قبل الانتخابات التي أجريت هناك عام 1994، عندما أصبح نيلسون مانديلا رئيساً للبلاد في حقبة ما بعد الفصل العنصري.

وبين عامي 1994 و1996، أصبح كبيراً لمبعوثي الأمم المتحدة إلى هايتي قبل أن يشغل المنصب نفسه في أفغانستان لعامين، وعاد بعدها إلى أفغانستان مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة بين عامي 2001 و2004 ليقود بعثة الأمم المتحدة للمساعدات.

وأثناء الفترة التي تخللت خدمته في أفغانستان، رأس لجنة مستقلة شكلها الأمين العام للأمم المتحدة سابقاً كوفي عنان، لمراجعة عمليات حفظ السلام للمنظمة الدولية. كما عين ممثلاً خاصاً للأمم المتحدة في العراق، ومبعوثاً مشتركاً للجامعة العربية والأمم المتحدة إلى سوريا عام 2012، بهدف إيجاد حل لسفك الدماء والحرب الأهلية الدائرة منذ أكثر من 18 شهراً، بعد استقالة كوفي عنان.



وطيلة حياته العملية أسندت للإبراهيمي عدة مهام خاصة تابعة للأمم المتحدة في عدة دول منها جمهورية الكونغو الديمقراطية واليمن وليبيريا ونيجيريا والسودان.

ويمكن القول إن تكليفه لحل تفاوضي في العديد من بؤر التوتر تكلل بنجاح في العديد من الأزمات، لكن يبدو أن الأزمة السورية كانت العقبة الأقوى في مسيرته، التي أعلن فيها استقالته من مهمته معتذراً للشعب السوري لفشله في عدم التوصل إلى حل.

سوريا.. ومحطة الفشل
عين الإبراهيمي مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة والجامعة العربية، خلفاً لكوفي عنان في مهمة الوساطة بسوريا في سبتمبر(أيلول) 2012، بعد استقالة الأخير من منصبه الذي قضى فيه 5 أشهر دون إحداث أي تغيير في ملف الأزمة السورية.

وعلى الرغم من اعتقاده الراسخ بعدم وجود "وضع ميؤوس منه"، فإن تعقيدات الأزمة السورية والمواقف المتناقضة تماماً للأطراف المعنية والمصالح الدولية المتشعبة حالت دون أن يجد طاقة يمكن أن ينفذ منها إلى تسوية للنزاع السوري خلال سنتين من السعي.



ووجه إعلان النظام السوري تنظيم انتخابات رئاسية في 3 يونيو(حزيران)، لطمة قاسية لجهود الإبراهيمي في جنيف، إذ يعتبر التصويت على نطاق واسع محاولة من الأسد لتحدي المعارضة الواسعة ومد فترة بقائه في السلطة.

وأعلن استقالته في 13 مايو(أيار) 2014، بعد أقلّ من عامين من الجهود غير المثمرة؛ وقال يومها إنه "حزين جداً لترك منصبه وسوريا في حالة سيئة كهذه"، واصفاً الوضع في سوريا بأنه "صعب جداً".

حمام سلام أم خيار سيء
وتحت ضغط الشارع وارتفاع حدة المظاهرات، اتخذت السلطة الجزائرية قرارات بتأجيل الانتخابات الرئاسية وعقد ندوة وطنية، هذه الأخيرة ينتظر أن يترأسها الأخضر الإبراهيمي الذي استقبله الرئيس بوتفليقة أمس.

ولعل السبب الأبرز في اختياره، هو سمعته العالمية التي يتمتع بها وشبكة العلاقات الدولية التي استطاع أن ينسجها عبر مسيرته الطويلة من خلال مهامه المختلفة، بالإضافة إلى المكانة الخاصة التي يحظى بها لدى رجال الدولة ولدى شريحة واسعة من المعارضة وكذا من الشخصيات الوطنية.

وأشارت مصادر إلى أنه تم الاتصال بالدبلوماسي المخضرم يوم السبت الماضي، للقدوم من فرنسا إلى الجزائر بحالة مستعجلة، إذ اقترح بوتفليقة رئاسته للندوة الوطنية وهو ما قبل به.



وبحسب خبراء، من المتوقع أن يتضمن قرار اختياره على عيوب كثيرة، يكمن في تقدمه بالعمر(85 عاماً)، حيث إن غالبية الجزائريين الذين يتظاهرون منذ 22 فبراير(شباط) الماضي، هم شباب يدعون إلى تغييرات جذرية، وليس من المؤكد أنه سيكون قادراً على فهم هذه النداءات وتقديم إجابات مفيدة.

ويتعلق العائق الآخر إلى حياده، إذ كان يأمل الجزائريين في أن تترأس شخصية محايدة الندوة وليس شخصية معروفة بقربها من الرئيس بوتفليقة، إضافة إلى أنه يعيش في الخارج منذ سنوات عديدة، ولا يلتقي بالطبقة السياسية الجزائرية لا من الموالاة ولا من المعارضة، وليست له شبكة لمساعدته في التعامل مع الندوة الوطنية.

ويبقى إنجاح المهمة أمر مرهون بمدى قدرة منظميه على العمل وراء الكواليس لإقناع المعارضة على الأقل وتمرير رسائل للداخل والخارج لإحاطته بالمصداقية.