سودانيات في تظاهرة ضد النظام بالخرطوم (أرشيف)
سودانيات في تظاهرة ضد النظام بالخرطوم (أرشيف)
الخميس 14 مارس 2019 / 20:29

السودان بعد ثلاثين سنة من جلد النساء

علينا أن نصدق، هكذا ... دون مواربة وبيأس عميق وكثير من الأسى، أن تسع نساء سودانيات تعرضن لحكم بالجلد بسبب مشاركتهن في الاحتجاجات ضد نظام "عمر البشير"، وأن جلد النساء أمر شائع، ويحدث دون توقف في السودان.

ثلاثة عقود من جلد النساء، هذه هي فكرة النظام عن دوره في رعاية حقوق المواطنة، وهذا هو فهمه الضيق لفكرة الحكم.

ثمة صور كثيرة لنساء يتعرضن للجلد من قبل رجال الدولة وأفراد الشرطة وعمال القضاء السوداني بعلنية مهينة، وعلى الملأ وأمام الناس، كل هذه المترادفات محاولة لتأكيد الحدث ووحشيته، سواءًَ العقاب نفسه أو استعراض المهانة واذلال النساء.

صورة لامرأة منحنية على نفسها مثل جنين تحيط بها حلقة من الفضوليين، وفي منتصف الحلقة ينتصب رجل أمن، وهو يحمل عصا طويلة تنتهي بما يشبه السوط، في صدر الحلقة ثلاثة موظفين يشرفون على تنفيذ الحُكم، بينما يبدو أن مهمة أحدهم، القصير الممتلئ الذي ينظر في الورقة، هي التأكد من عدد الجلدات وجدية الجلد.

صورة لامرأة مركونة في زاوية، اتضح بعد البحث أنها ساحة محكمة، المرأة التي يبدو أنها شابة تلتف بعباءة برتقالية، بينما يقوم شرطي، بملابس رسمية كاملة، بجلدها بطريقة تشي بخبرة في المجال، العباءة تسقط مع حركة جسد المرأة المصدوم بعد كل جلدة، فيظهر شعرها الأسود المرفوع، قبل أن تعيد لم جسدها كاملاً داخل العباءة، القماش الخفيف الذي يجنبها إذلال أن ينكشف وجهها لا يمنع الألم الذي يتركه السوط على جسدها الذي يبدو هشاً وخائفاً وبلا حيلة.

المرأة والشرطي والموظفون الثلاثة، بمن فيهم ذلك الذي يحمل ورقة ويواصل العد، وحلقة الفضوليين والضحك الذي يمكن أن تسمعه بوضوح في الصورة هم، جميعاً، سكان المادة 152 من القانون الجنائي السوداني الذي صدر في العام 1991.

منذ ما يقرب الثلاثة عقود، هي عمر نظام عمر البشير، والسودانيات يُجلدن تحت طائلة القانون.

ثلاثة عقود من جلد النساء، هذه هي فكرة النظام عن دوره في رعاية حقوق المواطنة، وهذا هو فهمه الضيق لفكرة الحكم. حتى بعد مطالبات منظمة العفو الدولية بإلغاء المادة 152 البائسة، وتحول الأمر برمته إلى فضيحة، لم يتغير شيء سوى عد الجلدات وعد السنوات الثلاثين، إلا إذا اعتبرنا تغيير اسم الجهاز المنفذ لهذه الملاحقات من "شرطة النظام العام" إلى "أمن المجتمع"، أو توسيع قائمة الضحايا التي كانت، كما نص القانون، تستهدف أزياء النساء، والصعود في السيارات، والشعر المكشوف، لتشمل المشاركات في الاحتجاجات التي تعم السودان مطالبةً بالغذاء، والدواء، ومكافحة الفساد، وهي مطالب لا يستطيع هذا النظام توفيرها، وليست ضمن جدول أعماله أصلاً.

النظام الذي يبدو مصدوماً في الأسابيع الأخيرة لأنهم، النساء على وجه الخصوص، يتظاهرون في شوارع البلاد السودانية، الهيستيريا في مواجهة المحتجين/ات، التخبط في محاولة البحث عن مؤامرة، إعلان حالة الطوارئ، جدول الوعود الساذج، الألقاب الطويلة للمناصب الجديدة وتداول المواقع بين أعضاء الحاشية، الحديث المضجر عن الاحتكام للانتخابات التي لا يصدقها أحد، تحويل الديمقراطية من "نظام" الى "حيلة" ... وأشياء أخرى من هذا القبيل، ثم صدمة أنهم، الناس، لا يصدقون كل هذه الرطانة.

في هذا السياق المأساوي جاء قرار الرئيس البشير بإخلاء سبيل المعتقلات السودانيات، كجزء من احتفاله بالمرأة السودانية بمناسبة "يوم المرأة" في الثامن من مارس (آذار) الجاري. 

لا يختلف قرار جلد النساء في الساحات العامة، في جوهره، عن قرار الإفراج عن المحتجات، كلاهما يصدر من نفس الفكرة الذكورية البائسة، ومن نفس عقلية السلطة الاستعلائية التي تمنح نفسها حقوق المنح والمنع.

لا فائدة ولا جدوى، النظام مجوف تماماً، والناس يعرفون ذلك الآن.