(أرشيف)
(أرشيف)
الجمعة 15 مارس 2019 / 18:25

صواريخ غزة "تزغرد" لنتانياهو

كانت الحروب على غزة أسهل طرق الاستثمار في بناء عقلية التطرف وبناء عدو دائم ووهمي لاسرائيل، واليوم نحن نشهد ذات المشهد الذي يحدث غالباً عشية الانتخابات العامة الإسرائيلية

كان الأمن، ولا يزال،العنصر الأهم في الدعاية الانتخابية الإسرائيلية وازدادت أهميته بصورة كبيرة بعد وصول ليكود بزعامة مناحيم بيغن إلى رئاسة الحكومة في انتخابات عام 1977 في مواجهة شمعون بيريز زعيم حزب العمل وقتذاك.

وصف فوز "ليكود" بأنه زلزال تاريخي أنهى استحواذ وسيطرة حزب العمل على مقاليد السلطة في اسرائيل منذ تأسيسها، وهو الحدث الذي ساهم بحدوث انقلاب حقيقي في مزاج وعقيدة "الإنسان الإسرائيلي" وساهم الليكود ولأسباب إيديولوجية واستراتيجية في زيادة وتعظيم قيمة الأمن لدى المواطن الإسرائيلي وتحديداً مع بدء تنفيذه مشروع المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة.

الانتخابات الإسرائيلية التي ستجرى في التاسع من أبريل (نيسان) لن تشذ عن سابقاتها، فالمتابع لمجريات الحملة الانتخابية والتنافس الحاد وتحديداً بين تحالف "أبيض ازرق" أي تحالف بني غانتس ومئير لابيد ووزير الدفاع الأسبق موشيه يعالون وغازي أشكينازي الذي سمي تحالف "الجنرلات" وتحالف الليكود مع الأحزاب اليمينية وتحديدا "قوة يهودية"، و"البيت اليهودي" يتلمس وببساطة البعد الأمني في الحملة الانتخابية بالإضافة "للتجييش" العنصري دينياً وقومياً وغياب أية مشاريع أو آراء أو رؤى للسلام مع الفلسطينيين.

ومنذ عام 1977 كان الليكود ولايزال يعتاش على ما يسمى بالأعمال "الإرهابية" أو "التخريبية" التي يقوم بها المناضلون الفلسطينيون ضد قوات الاحتلال في الضفة وغزة أو في أماكن تواجد المقاومة الفلسطينية في جنوبي لبنان. ولم يخسر الليكود قوته الجماهيرية وسطوته على الحياة السياسية الإسرائيلية التي استمرت حتى عام 1992 إلا بسبب عاملين اثنين جوهرهما أمني بحت:
الأول: استسلامه ( أي اسحق شامير) لأوامر إدارة جورج بوش الأب في عدم الرد على صواريخ الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين التي وجهها إلى إسرائيل غداة بدء حرب " حرير الكويت" في السابع عشر من عام 1991 .

والثاني: رضوخه أي شامير للقرار الأمريكي في ضرورة حضور مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في 30 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1991 أي بعد أشهر من عاصفة الصحراء وتحرير الكويت.

بعد هذا الزمن الطويل تغيّرت المعادلات الإقليمية بدرجة كبيرة ولكن ما يتعلق بهواجس الأمن الإسرائيلي بقيت كماهي. ذهب صدام، حلت محله إيران وحماس، وفي فترة ما القاعدة وبن لادن ثم حل داعش والإرهاب بصورة عامة، وللذين يعرفون عقلية نتانياهو وطبيعة الخطاب الذي اعتاد على استخدامه من أجل استثمار "الخوف" لدى الشارع الإسرائيلي يعلمون أنه تمكن من النجاح من عام 2009 وبقائه في السلطة بفعل "الكذب" وتضخيم درجة الخوف الأمني والخوف الوجودي لدى الإسرائيلي.

كانت الحروب على غزة أسهل طرق الاستثمار في بناء عقلية التطرف وبناء عدو دائم ووهمي لاسرائيل، واليوم نحن نشهد ذات المشهد الذي يحدث غالباً عشية الانتخابات العامة الإسرائيلية، وهو مشهد الحرب على غزة، فالصواريخ التي أطلقت من غزة على المدن الاسرائيلية والتي جاءت في توقيت "مريب" وأقصد هنا اجتماع الوفد المصري مع حماس، هي بكل تأكيد لا تخدم إلا اليمين المتطرف الذي بات عملياً يتزعمه نتانياهو، فقد نفت حركة حماس مسؤوليتها عن إطلاق تلك الصواريخ وكذلك حركة الجهاد الإسلامي.

من المؤكد أن من أطلق ويطلق الصواريخ في هذا الوقت وبدون أية مبررات عملياتية أو سياسية على دولة الاحتلال هو يقوم بدعم برنامج نتانياهو اليميني المتطرف الذي وفر غطاءً من الإدارة الأمريكية ليس فقط للحرب على غزة بل وفر أيضاً مبررات التحالف مع عتاة اليمين الصهيوني وأقصد هنا مع "قوة يهودية وهي النسخة الجديدة من حركة "كاخ".