الأفغاني الذي استقبل سفاح نيوزيلندا برنتتون تارانت بتحية "أهلا أخي"، قبل أن يرديه.(أرشيف)
الأفغاني الذي استقبل سفاح نيوزيلندا برنتتون تارانت بتحية "أهلا أخي"، قبل أن يرديه.(أرشيف)
الأحد 17 مارس 2019 / 19:35

الإرهاب مجدداً

الإرهاب هو هو. أربابه في خندق واحد، ولو اختلفت أديانهم، ولو حاربوا بعضهم بعضاً، ولو اقتتلوا وتفانوا. الفريق الآخر ليس ديناً بعينه، إنها الإنسانية الحقة، الإنسانية بروحها المتسامحة

آه لو استخدم عقله!! ذلك الإرهابي الذي اقتحم مسجدين في نيوزيلندا وقتل مصلين آمنين في دار عبادة، بينهم أطفال. ترك عائلات دون عائل، وزوجات وأطفال يعانون قسوة الحياة، صنع عشرات قصص البؤس الجديدة لأناس ذهبوا إلى أرض بعيدة بحثاً عن الأمل.

لو أنه فكر بعقله وقلبه معاً. لو نظر بعين الإنسانية إلى أخيه الإنسان وهو يلقى له السلام قائلاً: "السلام عليك يا أخي"، لما ضغط على زناد مسدسه، وأطلق رصاصته الأولى على حارس المسجد، ولو رأى بقلب الإنسان براءة طفلة صغيرة مع أبيها لما زرع في جسدها النقي ثلاث رصاصات من الكراهية. أتساءل فقط إن كان له قلب وعقل.

الأمل الذي لا جدوى من ترجيه عند ذلك القاتل الذي تجرد من الإنسانية، نرجوه في عالم ما زال بالإمكان صناعة الحب والأمل فيه، متضافرين مع أنفسنا، متضافرين مع العالم. فكما وقفنا ضد الإرهاب الذي ضرب الإنسانية في فرنسا ولندن، نقف ضده أينما وجد، وكيفما كان مصدره ومرجعيته.

الإرهاب هو هو. أربابه في خندق واحد، ولو اختلفت أديانهم، ولو حاربوا بعضهم بعضاً، ولو اقتتلوا وتفانوا. الفريق الآخر ليس ديناً بعينه، إنها الإنسانية الحقة، الإنسانية بروحها المتسامحة، المتآلفة، الموافقة، الرحيمة، الرؤوفة.

لا يمكن أن نكتب عن العشرات الذين قضوا دون أن نقف خاشعين للأرواح التي أزهقت، متعاطفين غاية التعاطف مع الأمنيات التي وئدت، داعين الله لهم بالمغفرة والرحمة ولأهليهم بصبر جميل وسلوى تجعل قادم أيامهم أجمل.

أصحاب الروح الإنسانية الذين حزنوا لهذا الحادث المؤلم لن يجدوا وقتاً لاستقطاب تفوح منه رائحة التطرف سواء في الأحزاب اليمينية هناك، أو في الجماعات المتحجرة هنا. أصحاب الروح الإنسانية حزنهم مرير، وصبرهم جميل، وفكرهم مستنير.
مرارة الحزن مبعثها جسامة المصاب ومأساويته، وجمال الصبر مبعثه يقيننا بأن العوض من الله أجمل لمن غادر ولمن فقد، وإحساسنا أن الإنسانية تقف معنا متمثلة في ورود وضعها العالم تقديراً لتلك الأرواح، وفي رئيسة وزراء نيوزيلندا التي كانت عيناها عيني ثكلى.
أما استنارة الفكر فمبعثها قناعات راسخة بأن التطرف مدحور وأن الإنسانية غالبة والتسامح سيسود..