الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أرشيف)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أرشيف)
الإثنين 18 مارس 2019 / 13:23

بالأرقام...هكذا تربح روسيا لعبة العقوبات

رأت جودي تويغ، أستاذة العلوم السياسية في جامعتي فيرجينيا وجورج تاون، أنه كان يُفترض أن تُلحق بالعقوبات الأمريكية على روسيا، الأذى بالنخبة في موسكو، لكنها بدل ذلك أطلقت تنمية اقتصادية وقومية.

بحلول عام 2016، أصبحت روسيا أكبر مصدِّر للحبوب في العالم، وتجاوزت مبيعات السلاح لتصبح أكبر سلعة تصدرها روسيا بعد النفط / الغاز، ولتصل قيمتها إلى ما يقرب من 21 مليار دولار

وأثارت تويغ عدداً من التساؤلات حول العقوبات، منها "هل تفرض واشنطن العقوبات على الشخصيات التي تريد تغيير سلوكها؟ وهل تضرر الذين تسببوا في الفوضى في أوكرانيا والقرم، ومن هاجموا سيرغي سكريبال وآخرين، ومن أفرطوا في التدخل في انتخابات غربية؟ وهل يمكننا إلحاق الأذى بنخبة روسيا بطريقة تلف انتباه بوتين؟ هل قمنا بما فيه الكفاية؟".

عواقب غير مقصودة

وفي رأي الكاتبة تعتبر العقوبات حالة نموذجية لعواقب غير مقصودة، فقد جعلت المزارعين الروس في أفضل حالاتهم.

في البداية، وضعت العقوبات المضادة التي تسهدف المنتجات الغذائية الغربية المستورد، والتي دخلت حيز التنفيذ بعد أيام فقط من العقوبات الأولى في 2014، المستهلكين الروس في وضع ضعيف، بسبب غياب بدائل فورية للأجبان الأوروبية الشهية والأطعمة المصنعة.

ولكن الأذواق عُدلت بسرعة، وأدت آثار استبدال الواردات إلى تعزيز موقع روسيا بحلول 2016، إلى أكبر مصدر للقمح في العالم. في الوقت الذي استنزفت فيه الولايات المتحدة حصتها في السوق الزراعية العالمية بسبب التعريفة الجمركية، والحروب التجارية في عهد ترامب، باتت روسيا تملأ الفجوة بنشاط وبقوة.

عقوبات مضادة
وتشير كاتبة المقال، إلى أن روسيا بدأت في أغسطس(آب) 2014، تطبيق عقوبات مضادة لحظر استيراد سلع غذائية معينة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وشملت قائمة المواد المحظورة اللحوم، والأسماك، والفاكهة، والخضار، ومنتجات الحليب، والألبان، والأجبان، وعدداً كبيراً من الأغذية المصنعة والجاهزة.

واتسع نطاق الحظر ليشمل مواداً غذائية وكماليات، وأطعمة اعتمدت روسيا على استيرادها، كما أن اتساع النطاق الجغرافي للحظر صعب تعويض كامل النقص عبر زيادة الواردات من بلدان غير مشمولة بالعقوبات.

3 طرق مباشرة
وشعرت روسيا بأثر العقوبات بـ 3 طرق مباشرة، وهي زيادة تقلبات أسواق الصرف، ما أدى لتراجع قيمة الروبل وزيادة ضغط التضخم، وتقييد الوصول إلى الأسواق المالية، فضلاً عن تراجع الاستهلاك والاستثمارات.

ولكن بعض منتجات الاتحاد الأوروبي وجدت طريقها إلى روسيا بعد إعادة تصديرها من دول أخرى.

وعلى سبيل المثال، تضاعفت في الربع الأخير من 2014، واردات الاتحاد الأوروبي من منتجات الألبان إلى بيلاروسيا، عشرة أضعاف.

هدية
وترى الكاتبة أن العقوبات المضادة بمثابة هدية لصناعة الأغذية الزراعية الروسية، إذ شجعت على اعتماد استراتيجية استتبدال الواردات، التي أقرت في بداية القرن الحالي، طلباً للاكتفاء الذاتي الغذائي.

وبعبارة أخرى، مهدت العقوبات الطريق أمام بوتين ليتغلب على مشكلة قديمة يعود تاريخها لانهيار ذلك القطاع، في تسعينيات القرن الماضي.

وعندما أعلن الإجراءات المضادة بعد يومين فقط من فرض العقوبات، تساءل عدد من المراقبين، إذا كانت قائمة السلع المحظورة أعدت سلفاً، وعلى وجه التحديد لتعزيز الإنتاج المحلي.

وبالفعل، استغل قطاع الأغذية الزراعية الروسية الفرصة. وفجأة أبدى عدد من المستثمرين اهتماماً بالحقل الزراعي، وأصبح القطاع الزراعي، لدى بعض الروس، مصدر فخر قومي وحب للوطن.

نقاط مضيئة
وهكذا غدت الأغذية الزراعية إحدى النقاط المضيئة في الاقتصاد الروسي الذي شهد ركوداً بين 2014 و2016، وارتفع معدل النمو بنسبة 3.2٪.

وحسب آندري غوريف، مدير تنفيذي لشركة فوس آغرو للأسمدة الفوسفاتية: "في يوم واحد، حقق قطاع الزارعة الروسي أرباحاً هائلة".

وتشير الكاتبة لاستمرار هذا النمو، إذ باتت روسيا تنتج حالياً ضعفي ما تستهلكه من القمح، وشبه مكتفية ذاتياً من السكر، ومنتجات اللحوم. وحل الإنتاج المحلي كلياً في مكان وارادات لحوم الدجاج والخنزير.
 وبحلول 2016، أصبحت روسيا أكبر مصدّر للحبوب في العالم، وتجاوزت مبيعات السلاح لتصبح أكبر سلعة تصدرها روسيا بعد النفط والغاز، ولتصل قيمتها إلى ما يقرب من 21 مليار دولار.

وفي يوليو( تموز) 2018، أعلن بوتين استمرار العقوبات المضادة حتى ديسمبر(كانون الأول) 2019.

وفي اعتقاد كاتبة المقال، ليس في قرار بوتين ما يدعو للدهشة، لأن المزارعين الروس حققوا إنجازات، واستفادوا من الأوضاع الجديدة، إذ ولدت العقوبات فرصة لإعادة بناء صناعة المواد الغذائية الروسية، وتمسك بوتين بتلك الفرصة.