رجال شرطة ومصلون قرب مسجد النور في نيوزيلندا.(أرشيف)
رجال شرطة ومصلون قرب مسجد النور في نيوزيلندا.(أرشيف)
الإثنين 18 مارس 2019 / 19:09

نيوزيلندا والهويات المتجاورة

لا بد من وقف الاحتقان وبثّ الكراهية، وعدم تجاهل الحوادث المتفرقة هنا وهناك ضد المهاجرين. ومن الضرورة بمكان وضع قوانين اجتماعية تساعد المهاجرين على التأقلم مع بيئتهم والجديدة

لا يمكن ردّ المذبحة الإرهابية البشعة في حق المصلين في نيوزيلندا إلى قانون حيازة السلاح فحسب، فمن يريد ارتكاب عمل إرهابي يمكنه تنفيذه باستخدام السلاح الأبيض ومنها سكاكين المطبخ! الأمر أبعد من ذلك. تعديل قانون حيازة السلاح في نيوزيلندا سيقلل من فرص الحصول على السلاح ويضيقها، ربما يحصرها في قلّة من الأفراد، غير أنه في نهاية المطاف لن يمنع الكراهية ضد الأجانب والمهاجرين، ولن يبعد الأوهام التي علقت في أذهان بعض الجماعات بسبب خوفهم من وجود المهاجرين والإسلاموفوبيا. حين تتغذى عقول أشخاص بالكراهية، ورفض الآخر المختلف، سيندفع أصحابها إلى قتل نفوس طاهرة، وتدمير مستقبلها وتهديد أمن بلادهم.

إن كراهية الآخر المختلف لوناً ولغة وديناً عن الذات تجد لها في أوروبا والغرب عموماً تجاوبا كبيرا. هناك عمل منظم لأحزابو جماعات وأندية ومنتديات مختلفة تركز على ضرورة تفوق العنصر الأبيض أو المواطن الأصيل من تلك البلدان. وهي تدعو لهوية واحدة خالصة بيضاء مسيحية، ترفض تعدد الهويات وتجاورها، متناسية أن الهجرة هي ديدن الإنسان منذ فجر التاريخ، وأن المهاجر هو مصدر ثراء وخير للبلاد التي يهاجر إليها، إن أحسنت تلك الدول وضع القوانين التي تضمن التفاعل بين المهاجرين وسكانها الأصليين بشكل إيجابي، من خلال وسائل إعلامها والتعليم وشتى المجالات. ولا بد من توفير فرص العمل للجميع وإلا لا داعٍ لاستقبال أعداد كبيرة من المهاجرين، حتى لا ينافسوا أهل تلك البلاد بانخفاض أجورهم.

ما قاله برنتون تارانت سفاح نيوزيلندا، في بيانه وما كتبه على سلاحه، ليس إلا ترداداً لما تقوله الأحزاب المتطرفة في أوروبا. وهو يذهب أبعد من ذلك ليربط إرهابه بحوادث تاريخية يفسرها كما يشاء. لقد بعث ببيانه إلى الحكومة النيوزيلندية والساسة هناك، ونقل جريمته على الهواء مباشرة عبر فيسبوك وإنستغرام. رسالته كانت موجهة إلى الحكومة النيوزيلندية بسبب قوانينها التي تسمح بالهجرة، وإلى تركيا والمسلمين والمهاجرين إجمالاً؛ لأنه يقف ضد الهجرة الجماعية. ينشط في "إزالة الكباب"، الذي يقصد به منع الإسلام من الانتشار في أوروبا، من خلال ما يكتبه ويعيد إرساله على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى شبكة الانترنت. يمكن القول إن هذه الوسائل لا تعمل بما يكفي لمحاربة الإرهاب، فحتى الفيديو الذي بثه تارانت بقي لفترة طويلة على الشبكة العنكبوتية، وحين حذف أعاد أحد المنتديات المناهضة للهجرة بثّه من جديد، برابط آخر. ما قام به هو عمل إرهابي محض، لكنه في الوقت ذاته قرع أجراساً كثيرة، مظهراً أن الكراهية تعلو على التسامح والمحبة، أون السلام والهدوء يخفيان أحياناً احتقاناً سببه عدم وجود تفاعل بين المهاجرين وسكان تلك الدول.

على الحكومات في الغرب مراجعة قوانينها، فالتشريعات التي وضعت في التسعينيات لم تعد ملائمة للألفية الجديدة، وما كان ملائماً قبل عشر سنوات لم يعد مناسباً بعد الهجرة الجماعية التي اجتاحت أوروبا قبل ثلاث سنوات. لا بد من وقف الاحتقان وبثّ الكراهية، وعدم تجاهل الحوادث المتفرقة هنا وهناك ضد المهاجرين. ومن الضرورة بمكان وضع قوانين اجتماعية تساعد المهاجرين على التأقلم مع بيئتهم والجديدة، وأهل تلك البلاد على تقبل الآخر المختلف، والتفاعل معه بشكل سليم. وتقبل الآخر هنا لا يعني عدم تبادل المهاجر والمقيم الأذى اللفظي والجسدي ، وإنما يعني إشاعة الحب والسلام، والتركيز على هدف التعايش السلمي، وعمل الخير لتلك البلاد، والتعالي على المصالح الشخصية والنظرة الضيقة.

إن الأرض واسعة، والأفكار كثيرة، منها إقامة مشاريع اقتصادية وفعاليات اجتماعية داخل نطاق الحي السكني، وإقامة المهرجانات الفنية والثقافية والاجتماعية التي تعزز التفاعل بين المهاجرين والمقيمين، تفاعل يسري في عروق الحياة اليومية وتفاصيلها.