تظاهرة في غزة.(أرشيف)
تظاهرة في غزة.(أرشيف)
الإثنين 18 مارس 2019 / 18:48

غزة تنتفض

نزعت حركة الظلام كل أقنعتها، ونزلت إلى الشارع بسلاحها وهراواتها ولحاها وحقدها وزعرانها لتبطش بالمنتفضين ضد الجوع في القطاع المنكوب

في مرحلة ما قبل أوسلو، انخرط الفلسطينيون جميعاً في مشروع الثورة التي كان يفترض أن تستمر حتى النصر على العدو وتحرير الوطن المحتل.
وفي زمن ما قبل الإخوان وحماسهم، توحد الفلسطينيون في بيتهم الكبير، منظمة التحرير، وكانوا يتفقون ويختلفون تحت رايتها وبين جدرانها العالية التي تحمي المشروع الوطني من كل رياح السوء.

كانت تلك أيام "الزمن الجميل"، وكان الفلسطيني في تلك الأيام يزهو بهويته الوطنية، ويعيش ليشارك في تحقيق الحلم الكبير بدولة مستقلة لها علم وجيش وطابع بريد ومحطة تلفزيون وعملة وطنية، وفيها مهرجانات للثقافة والفنون.

وكانت لدينا في تلك الأيام معارضة، وكان لدينا صراع على مقاعد الصف الأول في قيادة المنظمة، وكان بيننا معارضون ناقدون لسياسة الزعيم ياسر عرفات يرحمه الله، وكان منا من يقترب من موسكو أو من بغداد أو دمشق ويجاهر بذلك، بينما كان نفر قليل من أصحاب الهوى الأمريكي حريصين على إخفاء هذا الميل الجالب للشبهة.

ذهبت تلك الأيام، وتبخر ذلك الزمن، وتغيرت صورتنا، وصرنا نقدم نموذجاً مختلفاً، ولم يبق لدينا غير ذكرى ثورة موؤودة بالتسويات والمشاريع الأمريكية، وشعب مبتلى باجتياح إسلاميي أمريكا وشركاء إسرائيل في المشروع التوراتي.

بلا مواربة أعني حركة حماس وحاضنتها الأكبر جماعة الإخوان المسلمين التي استولت على السلطة في غزة بانقلاب دموي، وتعمل على تكرار الانقلاب في الضقة الغربية التي تخضع لحكم تعارضه حماس رغم أن مرجعيته هي ذات المرجعية الحمساوية في واشنطن.

الآن، وبعد سنوات طويلة من الانقلاب الحمساوي الدموي في غزة، وبعد سنوات من إفقار الناس جميعاً لإطعام "الأهل والعشيرة"، وبعد ترسيخ الفساد الحمساوي المشرعن بالفتاوى الجاهزة، وصل الناس حد الانفجار، وخرجوا إلى الشارع منتفضين ضد الجماعة الظلامية، وضد أكاذيب الحركة عن المشروع المقاوم، وضد السياسات الحمساوية التي حولت غزة كلها إلى رهينة للمشروع القطري – التركي الموجه أمريكياً، وضد بيع القطاع بحقيبة دولارات يحملها المبعوث القطري كل شهر كثمن للهدوء المشتهى قطرياً وإقليمياً ودولياً.

أمام هذا الحراك الشعبي نزعت حركة الظلام كل أقنعتها، ونزلت إلى الشارع بسلاحها وهراواتها ولحاها وحقدها وزعرانها لتبطش بالمنتفضين ضد الجوع في القطاع المنكوب. وفي ثلاثة أيام قدم القمع الحمساوي نماذج للحقد لم نرها في قمع ثورات الربيع العربي المزعوم. كما استشرس إعلاميو الظلام في الدفاع عن حركتهم وعن موقفها ضد الناس بحجة حماية مشروع المقاومة!

سعار الإعلام الظلامي لم يتوقف عند حد الكذب في تبرير جرائم قمع الحراك الشعبي السلمي لجموع الجياع، بل تجاوزه إلى اتهام المشاركين في هذا الحراك بتنفيذ أجندة خبيثة لجهات معادية، ولم يقصدوا إسرائيل، بل اتهموا أجهزة أمن سلطة رام الله بتحريك الناس في شوارع غزة!

كعادتها، اختارت المنابر الإعلامية الظلامية الكبرى، كقناة الجزيرة تجاهل الحراك الغزي تماماً، وكأنه لم يحدث، بينما ركزت على حراكات الجزائر والسودان وما تدعيه من مظلومية للاخوان في مصر.

المهم أن أهل غزة كسروا حاجز الخوف من الميليشيا الظلامية، وخرجوا في هبة لن تنتهي بالقمع مهما بلغت حدته ومهما صدر من فتاوى حمساوية تجيز القتل وسفك دماء الأبرياء ومهما تظلل القمع الحمساوي بالأكاذيب عن مشروع المقاومة، فقد عرف أهل غزة أنه مشروع مقاولة تموله قطر بكلفة رخيصة لحساب من يوجهون الدوحة ويحركون أصابعها وحقائبها في المنطقة.

غزة لن تعود إلى ما كانت عليه قبل انتفاضة الخبز، وأهل غزة ليسوا حرامية، لكن قامعيهم بالضرورة مجرمون.