الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.(أرشيف)
الثلاثاء 19 مارس 2019 / 19:12

بين أردوغان و"فتى البيضة"

ليست المعارك التي يشنها أردوغان ضد عدو وهمي سياسة جديدة له، فهو يلجأ إليها خصوصاً قبل كل استحقاق انتخابي، وينبش خصوصاً فزاعة "أعداء الإسلام"

بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعتلي المنابر واحداً تلو آخر منذ الجمعة الماضي، للرد على غزو افتراضي لتركيا، يعد له منفذ الهجوم على المسجدين في نيوزيلندا، الموقوف خلف القضبان، وبين "فتى البيضة" الذي رشق نائباً أوسترالياً عنصرياً كان يشيد بالهجوم، أكثر من قاسم مشترك على رغم أن لا علاقة لأحدهما بالاخر. كلاهما رد بانفعال مبتكر على الهجوم، يكسب الأول بضعة أصوات انتخابية في الداخل، ويضمن للثاني قلوب الملايين حول العالم، والاف الدولارات لشراء مزيد من البيض ومواجهة دعوى ضده من السناتور الأوسترالي العنصري فريزر أنينغ.

عندما هرع فيس بوك إلى حذف 1.5 مليون فيديو للهجوم المقيت، وناشدت حكومات عدة وسائل الاعلام عدم نشر مشاهد منه، ارتأى أردوغان عرضه "ممنتجاً" أيضاً ليومين متتاليين في تجمعين انتخابيين، وكأنه استنزف كل أسلحته الانتخابية الاخرى لشد عصب قاعدته الاسلامية المتراخية على ما يبدو، وكسب الأصوات لمصلحة مرشحي حزبه للانتخاباتت المحلية المقررة في 31 مارس (آذار) الجاري.

ومنذ الهجوم المقيت، لم يتوان أردوغان عن استغلال الفيديو في طريقة انتهازية أثارت غضب السلطات النيوزيلندية واستياء إعلامياً واسعاً. الرئيس التركي تصرف منذ اليوم الأول وكأن الهجوم الذي وقع على مسافة أكثر من 16 ألف كيلومتر عن بلاده، حصل على أرضه وكأن الضحايا هم ضحاياها. وذهبت به حماسته المعهودة الى وصف المهاجم الاوسترالي برنتون تارانت، الإرهابي بامتياز، بأنه "عديم الشرف"!. ورفع سقف الخطاب الإثنين الفائت ليقدم نفسه مجدداً الحامي الأول للمسلمين، متوعداً بأن أي شخص جاء إلى تركيا لأسباب معادية للإسلام رجع منها في تابوت.

دخلت كلمات أردوغان التي توحي بغزو صليبي وشيك لتركيا، كل بيت على الأرجح، وشاهدته الغالبية العظمى من 80 مليون تركي مع كل عبارات أو إيماءات التحريض الذي يشكل الملعب المفضل للرئيس التركي. وربما ليست مجرد صدفة أن تتزامن المعركة الشرسة لأردوغان ضد عدو وهمي، مع توقيف الشرطة الهولندية رجلاً تركياً على علاقة بإطلاق نار في مدينة أوتريخت وسط هولندا قل فيه ثلاثة أشخاص على الأقل وجرح آخرون في اعتداء تعتقد الشرطة أنه إرهابي.

وليست المعارك التي يشنها أردوغان ضد عدو وهمي سياسة جديدة له، فهو يلجأ إليها خصوصاً قبل كل استحقاق انتخابي، وينبش خصوصاً فزاعة "أعداء الإسلام". وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة في يونيو (حزيران) الماضي، استغل الورقة نفسها من أجل كسب مزيد من الأصوات لمصلحته، وللتغطية على الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى انهيار العملة المحلية وارتفاع معدل التضخم خمسة أضعاف.

وكما في الانتخابات الرئاسية، قد ينجح استغلال أردوغان مذبحة نيوزيلندا في توفير بضعة أصوات له في مجتمع إسلامي محافظ، إلا أن سلوكاً كهذا قد يحمّس معتوهين من البيض العنصريين أمثال تارانت أو غيرهم من الإسلاميين المتطرفين في إعادة تلك المشاهد ضد مسيحيين أو مسلمين أو يهود في أي منطقة من العالم.