الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الأربعاء 20 مارس 2019 / 12:59

كيف قوض أردوغان تدريجياً موقع بلاده في الناتو؟

ذكر الصحافي التركي المخضرم بوراك بكديل قراءه في معهد "غايتستون إنستيتيوت" الأمريكي بأن تركيا كانت، بعد الولايات المتحدة، ثاني دولة تستجيب لنداء الأمم المتحدة بتقديم الدعم العسكري لكوريا الجنوبيّة بعدما هاجمها الشمال في 1950، وأنها بذلت ذلك الجهد لتفوز بعضوية حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي تحقق في 18 فبراير (شباط) 1952.

مع صفقة أس-400، تقول تركيا لحلفائها الغربيين النظريين إنها تنظر "إليهم" "لا إلى روسيا" كتهديد أمني

وفي الحرب الباردة بقيت تركيا حليفاً قوياً للولايات المتحدة مدافعة عن الجناح الجنوبي للحلف الأطلسي.

ولكن الأحداث تغيرت بطريقة درامية منذ وصول الحكومة الإسلاموية لرئيس الوزراء يومها رجب طيب أردوغان إلى الحكم في نوفمبر(تشرين الثاني) 2002، ما يعني أن تراجع موقع داخل الحلف لم يكن بين عشية وضحاها.

وفي أبريل (نيسان) 2009، شاركت تركيا في تدريبات عسكرية مشتركة مع الجيش السوري. كانت تلك المرة الأولى التي يشارك فيها جيش أطلسي، في تدريبات مع الجيش السوري. في سبتمبر (أيلول) 2010، شاركت مقاتلات تركية وصينية في تدريبات مشتركة. وكانت تلك أيضاً المرة الأولى التي تشارك فيها قوة جوية أطلسية في تدريبات مع قوة جوية صينية.

وفي 2011، أظهر استطلاع رأي صادر عن ترانساتلانتيك تراندس التابع لصندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة أن تركيا كانت العضو الأطلسي، الذي يعرف أقل نسبة دعم فيه للناتو، 37% فقط من الداعمين، في مقابل 53% في 2004.

الصين حاولت سحبها
في 2012، انضمت تركيا إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم روسيا، والصين، وكازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، شريكاً في الحوار. وفي 2017، قال ديبلوماسي صيني بارز إن بكين كانت مستعدة لمناقشة عضوية تركيا في المنظمة.

في سبتمبر (أيلول) 2013، أعلنت تركيا أنها اختارت شركة صينية لبناء أول نظام دفاعي للصواريخ الجوية الطويلة المدى وفقاً لبرنامج تي-لوراميدس الذي وصلت كلفته إلى 3.5 ملياراتدولار. وأُلغي العقد لاحقاً، ولكن أردوغان استدار صوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحثاً عن البديل، أس-400 والنظام الدفاعي المضاد للصواريخ.

تداعيات خطيرة
ورغم تصعيد الضغط الغربي والأطلسي، رفض أردوغان منذ ذلك الحين التخلي عن الهندسة الدفاعية الروسية، ودافع بدل ذلك عن "قرار تركيا السيادي". في 7 مارس (آذار( الجاري)، قال أردوغان إن بلاده لن تتراجع أبداً عن صفقة أس-400. وأضاف أن أنقرة، تتطلع أيضاً إلى شراء أنظمة أس-500 الأكثر تطوراً التي تبنيها روسيا في الوقت الحالي.

لا تزال واشنطن تحذر أنقرة من "تداعيات خطيرة" للصفقة وفق ما نقلت شبكة سي أن أن عن المتحدث الموقت باسم وزارة الدفاع الأمريكية تشارلز سامرز الذي أضاف أن العقد سيقوض العلاقة العسكرية الأمريكية مع أنقرة. وقال سامرز إن هذه التداعيات ستشمل رفض الولايات المتحدة شراء   مقاتلات أف-35، ونظام باتريوت الدفاعيّ.

تداعيات خطيرة
تشكل تركيا عضواً في اتحاد دولي تقوده الولايات المتحدة لبناء المقاتلة من الجيل الجديد، أف-35 لايتنينغ-2 وتعهدت بشراء أكثر من 100 مقاتلة من هذا الطراز.

ولكن تفضيل تركيا لروسيا ومناهضتها للناتو سينتجان تداعيات في عدد من الميادين. وربما تنتقم أو قد لا تنتقم الولايات المتحدة بالكامل، بطرد تركيا من اتحاد الشركات التي تبني هذه المقاتلة. وسيكون للقرار عدد من الاعتبارات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية.

إذا طُردت تركيا، فقد تنظر أكثر إلى روسيا لإيجاد حل لمقاتلة الجيل المقبل، وسيكون بوتين مسروراً جداً بعرض البديل، وخلق المزيد من التصدع داخل التكتل الأطلسي، في خطوة يعتقد أردوغان أن الإدارة الأمريكية والناتو لا يستطيعان تحمل المخاطرة بها.

ماذا وراء مقامرة أردوغان؟
إن مقامرة أردوغان تحمل برسالة أكثر أهمية للناتو من مجرد تأمين العتاد العسكري، وترتبط بالهوية الجيوستراتيجية لتركيا.

إن أس-400 هي هندسة دفاعية جوية متقدمة خاصةً إذا استُخدِمت ضد الأصول الجوية والقوة النارية الأطلسية. ولا تستطيع تركيا استخدام هذا النظام ضد اعتداء روسي، أو أسلحة روسية الصنع.

 وبصفقة أس-400، تقول تركيا لحلفائها الغربيين النظريين إنها تنظر "إليهم" "لا إلى روسيا" باعتبارهم تهديداً أمنياً. فتركيا هي ثاني أكبر جيش في الناتو وتعاونها العسكري الودي مع روسيا قد يكون في بداياته الآن، لكنه يقوض الردع الأطلسي ضد روسيا.

ولن تجد موسكو أفضل من رؤية تفكك هذا التحالف العسكري.