جندي في حقل أفيون في أفغانستان.(أرشيف)
جندي في حقل أفيون في أفغانستان.(أرشيف)
الإثنين 25 مارس 2019 / 15:52

لا سلام في أفغانستان بلا اتفاق يربط الإرهاب بالأفيون

يلوح في الأفق احتمال التوصل إلى اتفاق سلام في أفغانستان. وإذا استطاع المبعوث الأمريكي زلماي خليل زاد التوصل إلى صفقة، يفترض أن تلتزم جميع الأطراف بوقف عام لإطلاق النار، وتسحب الولايات المتحدة قواتها، وتباشر طالبان والحكومة الأفغانية حواراً، فضلاً عن تعهد الحركة الإسلامية بعدم إيواء أية تنظيمات إرهابية على الأرض الأفغانية.

إنهاء القتال ضد طالبان لن يحل مشكلة المخدرات في أفغانستان. ومن السذاجة الاعتقاد أن طالبان ستكون مستعدة أو قادرة على منع تنظيمات أخرى من الاستفادة من حقول الأفيون

تلك تطورات مشجعة برأي ماثيو ريد، كولونيل سابق في قوات المارينز، وزميل لدى مجلس العلاقات الخارجية، وسيبيل غرينبيرغ، باحثة مساعدة لدى مجلس العلاقات الخارجية تركز في عملها على الاقتصاديات الدولية اللذين يريان نظرياً أفقاً لنهاية أطول حرب أمريكية. لكن من الناحية العملية، يستبعد الباحثان أن تحقق مفاوضات السلام هدف واشنطن الرئيسي الأمني في أفغانستان – منع وجود ملاذ أمني للإرهابيين، إن لم تتضمن الخطة مواجهة مباشرة لمشكلة الأفيون في ذلك البلد.
  
عاصمة الأفيون
ووفق ما أشار إليه الباحثان، في مجلة "فورين أفيرز"، يزدهر اليوم قطاع المخدرات في أفغانستان. ورغم إنفاق الولايات المتحدة، طوال الحرب، قرابة9 مليارات دولار للقضاء على إنتاج المخدرات، أشارت آخر التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن زراعة الأفيون في أفغانستان بلغت ثاني أعلى مستوى لها منذ عام 1994. وتتركز تلك الزراعة، إلى حد كبير، في إقليمي هلمند وقندهار الجنوبيين، عند ضفاف نهر هلمند. وحولت هذه التجارة التي تدر مليارات الدولارات البلاد إلى ما يمكن تسميته "عاصمة الأفيون في العالم". وتوفر هذه الصناعة نصف إجمالي الدخل القومي الأفغاني، وتعادل نسبة 85٪ من إنتاج الأفيون في العالم.

بقرة حلوب
والأهم، حسب الباحثين، تمثل تجارة المخدرات بقرة حلوباً بالنسبة للإرهابيين. وتشكل أرباحها الكبيرة نسبة 65٪ من عائدات طالبان، وتملأ جيوب تنظيمات أخرى صنفتها الولايات المتحدة تنظيمات إرهابية. وقد وثقت علاقات القاعدة بأصحاب حقول للأفيون من طالبان. وتتلقى شبكة حقاني التي تمثل أكبر تهديد لبعثة الناتو في أفغانستان، تمويلها من خلال إتاوات تفرضها على تجارة الأفيون. كما جنى لاعبون إقليميون آخرون، كحركة طالبان باكستان، مليارات الدولارات من خلال السماح لقوافل المخدرات بعبور مناطقهم.

لذلك، يعتقد الباحثان أن إنهاء القتال ضد طالبان لن يحل مشكلة المخدرات في أفغانستان. ومن السذاجة الاعتقاد أن طالبان، الذي ضعف جراء هزائمه الكبيرة في الميدان، ومقتل عدد من قادته بأثر غارات جوية أمريكية، ستكون مستعدة أو قادرة على منع تنظيمات أخرى من الاستفادة من حقول الأفيون. لذا لو حدث أي شيء، من المحتمل أن يؤدي فراغ في السلطة يخلفه طالبان المنهك من الحرب، لاستقطاب تنظيمات متطرفة جديدة إلى المنطقة. وعندها سيكون صعباً تقويض محاصيل غير مشروعة مجزية تنمو ضمن مساحات واسعة لا تسيطر عليها الحكومة.

فساد سياسي
وإلى جانب اجتذاب جماعات متطرفة، تؤدي تجارة الأفيون في أفغانستان إلى فساد سياسي في أوساط مسؤولين وأمراء حرب ومتمردين يتنافسون من أجل السيطرة عليها. وعبر احتكار أكثر المناطق خصوبة في البلاد، تولد تلك التجارة ركوداً اقتصادياً، ما يزيد زعزعة الاستقرار في المنطقة، ويترك السكان معرضين لتسلل الإرهابيين.

إى ذلك، يرى الباحثان أنه لا يمكن فصل مشكلة الإرهاب في أفغانستان عن الأفيون بوصفه يمثل شريان حياته. ولا يجدر بعملية سلام مستدامة أن تتجاهل هذه القضية. ويجب أن تشمل أية مفاوضات مستقبلية تجريها الولايات المتحدة مع طالبان استراتيجية طويلة الأمد متعددة الأطراف لمكافحة المخدرات، بحيث تعالج المشكلة عند جذورها السياسية والاقتصادية.

ويحض كاتبا المقال المفاوضين الأمريكيين على مطالبة كل من طالبان والحكومة الأفغانية بوضع عمليات مكافحة المخدرات في مقدمة أولياتهم حيث يتوفر دعم قوي من قبل قيادات محلية. وقد أظهرت عمليات عسكرية أخيرة، مثل عملية العاصفة الحديدية، أنه لا يتحقق إلا القليل بدون دعم من ذلك النوع، إلى جانب ضربات جوية وغارات ضد مرافق لإنتاج المخدرات لصالح طالبان.

وعلى الجبهة الاقتصادية، يفترض، برأي الباحثين، أن يعمل المفاوضون الأمريكيون مع منظمات دولية للمساعدة في دمج الاقتصاد الأفغاني بالسوق العالمية المشروعة.