الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الإثنين 25 مارس 2019 / 13:38

تركيا والناتو..علاقة ملتبسة على شفير الانهيار

قبل أكثر من 68 عاماً، وبالتحديد يوم 17 سبتمبر( أيلول)، 1950، غادر أول لواء تركي ميناء مرسين على المتوسط، ووصل بعد ذلك بـ 26 يوماً إلى بوسان في كوريا. ويومها كانت تركيا أول من لبّى، بعد الولايات المتحدة، نداء الأمم المتحدة لتقديم دعم عسكري إلى كوريا الجنوبية بعدما هاجمتها كوريا الشمالية. وأرسلت تركيا أربعة ألوية ( مجموع جنودها 21,212) إلى بلد يبعد عنها مسافة 7,785 كيلومتراَ. وفقدت تركيا في تلك الحرب 741 جندياً. واليوم تحتضن نصباً تذكارياً لـ 462 جندياً تركياً.

ترسل مناورة أردوغان رسالة إلى الناتو تتجاوز مسألة شراء عتاد عسكري إلى هوية تركيا الجيوستراتيجية

كل تلك الجهود التركية هدفت برأي بوراك بيكديل، كاتب عمود سياسي مقيم في أنقره، وزميل منتدى ميل إيست، للحصول على عضوية حلف الناتو، وهو ما حظيت به تركيا في 18 فبراير( شباط) 1952.

إلى ذلك، ظلت تركيا، طوال الحرب الباردة، حليفاً وفياً للولايات المتحدة وللناتو، تدافع عن الخاصرة الجنوبية الشرقية للحلف. ورغم ذلك، طرأت تحولات دراماتيكية منذ تولي الحكومة الإسلامية بقيادة رجب طيب أردوغان السلطة لأول مرة في نوفمبر( تشرين الثاني) 2002. وهكذا لم يحصل "التراجع التركي" بين ليلة وضحاها.

تدريبات مشتركة

ويذكر كاتب المقال بتدريبات مشتركة بين فرق عسكرية تركية وسورية، في إبريل( نيسان) 2009، عندما عبر جنود سوريون الحدود وزاروا مواقع تركية خلال التدريبات المشتركة. وكانت تلك أول مرة يجري فيها جيش عضو في الناتو تدريبات مع الجيش السوري.
وفي سبتمبر( أيلول) 2010، نفذت مقاتلات تركية وصينية تدريبات عسكرية مشتركة في الأجواء التركية. وكانت تلك، أيضاً، أول مرة تجري فيها قوة جوية عضو في الناتو تمارين عسكرية مع الصين.

وفي 2011، كشفت دراسة أجراها مركز "ترانسلانتيك تريندز" أن تركيا كانت أقل عضو في الناتو دعماً للحلف: بنسبة 37٪ فقط (من 53٪ في عام 2004). وعام 2012، انضمت تركيا إلى منظمة شنغهاي للتعاون( SCO، وتضم روسيا والصين وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان)، كشريك حوار. وعام 2017، قال ديبلوماسي صيني رفيع المستوى إن بكين مستعدة للبحث في انضمام تركيا إلى عضوية SCO.

اختيار لافت
وفي سبتمبر( أيلول) 2013، أعلنت تركيا عن اختيارها لشركة صينية( CPMIEC) لبناء أول نظام دفاع جوي مضاد للصواريخ الطويلة والقصيرة المدى، بكلفة 3,5 ملياراتت دولار باسم مشروع تي لوراميدس. وعندما ألغي المشروع لاحقاً، تحول أردوغان إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كي يزوده ببديل يتمثل في S-400، نظام دفاع جوي مضاد للصواريخ الطويلة والقصيرة المدى.

ورغم ضغوط أمريكية وغربية ومن حلف الناتو، رفض أردوغان التخلي عن البنية الدفاعية الجوية الروسية، ودافع بشراسة عما وصفه بأنه "قرار تركي سيادي". وفي آخر المستجدات، قال أردوغان في 7 مارس(آذار) إن تركيا لن تتراجع مطلقاً عن صفقة S-400، وأنها قد تشتري لاحقاً أنظمة S-500 الأكثر تطوراً، والتي يجري بناؤها حالياً في روسيا.

حليف جزئي
وحسب محطة "سي إن إن" ا، تواصل واشنطن تحذيراتها لحليفها الجزئي في الناتو، ونقلت عن المتحدث باسم البنتاغون شارلز سومرز قوله لصحفيين يوم الجمعة: "إذا مضت تركيا في صفقتها لشراء S-400 سيكون لذلك عواقب وخيمة"، موضحاً أن تلك العواقب قد تشمل منع الولايات المتحدة تركيا من الحصول على الطائرة المقاتلة F-35 ونظام الدفاع الصاروخي باتريوت.

وبرأي كاتب المقال، سيكون لاختيار تركيا النظام الروسي تبعات في مجالات عدة. فقد تنتقم الولايات المتحدة بطرد تركيا من مجموعة سترايك فايتر التي تبني المقاتلة F-35، وربما لا.

وبرأي الكاتب، ينطوي القرار على اعتبارات اقتصادية وعسكرية وسياسية. وفي حال طرد تركيا، قد تتجه أكثر فأكثر نحو روسيا للحصول على مقاتلة من الجيل التالي، وهو ما سوف يسعد بوتين من أجل خلق مزيد من التصدعات ضمن كتلة الناتو، وهي خطوة لربما يعتقد أردوغان أن الإدارة الأمريكية( والناتو) لن يغامرا باتخاذها.

ولكن، وحسب الكاتب، ترسل مناورة أردوغان رسالة إلى الناتو تتجاوز مسألة شراء عتاد عسكري إلى هوية تركيا الجيوستراتيجية.
حلفاء نظريين. ويرى الكاتب أن تركيا تقول، من خلال صفقة S-400، لحلفائها الغربيين النظريين "إنهم هم، لا روسيا، يمثلون في نظرها تهديداً أمنياً". وفيما ينظر إلى روسيا، على نطاق واسع، بأنها تمثل تهديداً أمنياً للناتو، فإن موقف تركيا الغريب يستدعي التحقيق في مسألة هويتها الرسمية ضمن حلف الناتو.

ولتركيا ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، ورغم أن توددها لروسيا ما زال في مهده، لكنها تقوض قوة ردع الحلف بمواجهة روسيا. ومن جانب آخر، لا شك في أن لا شيء يسعد روسيا أكثر من انهيار تحالف عسكري يقوم على مبدأ أن "أي هجوم عسكري ضد دولة عضو في الناتو يعتبر هجوماً ضد جميع أعضائه".