بيت إسرائيلي دمره صاروح أُطلق اليوم من غزة (هاآريتس)
بيت إسرائيلي دمره صاروح أُطلق اليوم من غزة (هاآريتس)
الإثنين 25 مارس 2019 / 20:01

ليس للفلسطينيين إلا أنفسهم

أكتب بعد ساعات قليلة من إطلاق صاروخ من غزة على تل أبيب، وهو الأمر الذي كان سيفرح الفلسطيني كثيراً لو حدث في غير هذا التوقيت، ولو جاء رداً على نتائج لقاء نتانياهو مع ترامب واللوبي اليهودي في الولايات المتحدث وليس قبل انتهاء زيارة الإسرائيلي إلى حاضنته الأمريكية، ما يجعل الأمر مريباً ويدفع للتفكير في النوايا.

حماس في المقابل قدمت بهذا الصاروخ هدية ثمينة إلى نتانياهو في مواجهة خصومه الساعين إلى الإطاحة برئاسته للحكومة

إسرائيل قالت إن حماس هي من أطلق هذا الصاروخ، وذلك في سياق الجهد الإسرائيلي والإقليمي الذي بات مكشوفاً في محاولة تعزيز نفوذ حماس، وترسيخ حكمها في غزة، الجغرافيا المفترضة والوحيدة المتاحة لدولة فلسطينية تأخذ شكل الإمارة الدينية وتكون من مخرجات صفقة قرن ترامب.

حماس في المقابل قدمت بهذا الصاروخ هدية ثمينة إلى نتانياهو في مواجهة خصومه الساعين إلى الإطاحة برئاسته للحكومة، لأن اليمين يحب بعضه، ولأن للطرفين مصالح متبادلة في بقائهما حيثما هما.

أدرك أن الصراحة في التعبير عن الموقف تستفز البعض أحياناً، لكن ما وصل إليه الفلسطينيون من خراب بعد عقود من التقاسم الوظيفي بين اليمين السياسي الفاسد المرتبط بالاحتلال، واليمين الديني الظلامي المرتبط بأجندات غير فلسطينية كلها كارهة لفلسطين، يفرض الصراحة في قراءة المشهد بلا رتوش ولا انحيازات مسبقة، ويفرض المشاركة في جهد جمعي شعبي يتجاوز فتح وحماس والفصائل الأخرى ليعيد الفلسطيني إلى ذاته، وليبدد الرهانات الخائبة لدى الأطراف والقوى التي عاثت في الأرض فساداً وتزويراً وكذباً وتآمراً حتى أوصلتنا إلى هذه اللحظة المرة.

المنطقة كلها تسير وهي مغمضة العينين بلجام أمريكي نحو الصفقة التي بدأت إدارة الإنجيليين في البيت الأبيض بتنفيذها منذ مدة.

والفلسطينيون يعلنون رفضهم للصفقة، لكنهم يساهمون بتنفيذها في تمسكهم بالانقسام وبالصراع الانتحاري بين سلطتي هذا الانقسام القائم برعايات أمريكية وإقليمية وعربية مختلفة.

هذا الواقع الفلسطيني الرسمي المخجل، وهو الواقع الذي لا تستطيع سلطة رام الله دحضه بمقاطعة الاتصالات مع ترامب، ومواصلة الاتصالات مع السي أي ايه، ولا بوقف التفاوض مع نتانياهو واستمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل.

كما لا تستطيع سلطة غزة دحض هذا الواقع بالحديث الممل عن مشروع المقاومة وسلاح المقاومة الذي رأينا منه هراوات تكسر عظام المتظاهرين في حراك "بدنا نعيش" في غزة.

سلطتان سقطتا عملياً في الشارع الفلسطيني، وهما قائمتان بحكم الأمر الواقع الاحتلالي في الضفة والتمويلي في غزة.

ولو أجري استفتاء شعبي حر لسقط الطرفان، لأنهما لم يعودا خيار للناس وإن كانا لا يزالان خياراً لحفنة المنتفعين والمستفيدين من بقائهما.

ما هو خيار الناس إذن؟

يدرك الفلسطينيون الآن أن لا أحد معهم ولهم إلا أنفسهم، ويعرفون بالتجربة المرة أن العمقين العربي والإسلامي لم يعودا موجودين، وتترسخ قناعتهم بضرورة التركيز على تخليق وسائل مقاومة جديدة وغير نمطية وخارجة عن مألوف الفصائل القائمة، وقد بدأت هذه البدائل بالظهور التلقائي سواءً في عمليات الدهس والسكاكين، أو في عمليات اصطياد المستوطنين التي كان آخرها عملية الشهيد عمر أبو ليلى في سلفيت، وهي عملية لم تعتمد على قرار تنظيمي لأن الشهيد عمر لم يكن عضواً في فصيل، وهي كذلك عملية لم تهدف إلى خدمة طرف معين من حيث التوقيت، ولم يتم تحريكها بتمويل مشبوه من أي طرف.

هل يكفي ذلك؟

ستكون هناك مفاجآت كثيرة قادمة، وسيتحول العمل الفردي إلى عمل جماعي بعيد عن التأطير، وستضطر إسرائيل وأمريكا وأصدقاؤهما في الإقليم إلى إعادة النظر في حساباتهم لأن الواقع سيتغير، ولن يكون هناك انتظار لأحد أو لقرار من هنا أو هناك.

صرخة "يا وحدنا" لم تعد شكوى أو عتاباً لأحد، لكنها تعبير عن واقع فج يضطر الفلسطيني إلى مواجهته بطريقته، وبلا سلطات سياسية ودينية مشبوهة.