الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أف ب)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أف ب)
الجمعة 29 مارس 2019 / 19:52

نتانياهو.. هرتزل الجديد

من أهم الأسباب الضاغطة على سلوك ترامب هو جهله التام بالسياسة وبخاصة الدولية منها وتحديداً الشرق الاوسط

 قبل عام تقريباً وقع دونالد ترامب قراره القاضي بنقل سفارة بلاده من القدس الغربية إلى القدس الشرقية والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لاسرائيل، وهو القرار الذي لم يتجرأ أي رئيس أمريكي منذ قيام دولة الاحتلال عام 1948 على القيام به على الرغم من قرار الكونغرس الصادر عام 1995 والقاضي بضرورة نقل السفارة الأمريكية الى القدس الشرقية. واليوم وبعد مرور عام كامل على قرار القدس، يوقع الرئيس ترامب "فرماناً" آخر يعتبر هضبة الجولان السورية المحتلة أرضاً إسرائيلية، وفي الحالتين يدرك ترامب ومعه الفريق الصهيوني المتعصب الذي يحركه (مايك بنس، مايك بومبيو، كوشنر، غرينبلات، جون بولتون) أن هذين القرارين ينسفان كل القرارات الدولية في شان النزاع العربي– الإسرائيلي وتحديداً قرار مجلس الامن 242 الذي شكل الأساس القانوني والسياسي لكل أفكار ومبادرات السلام في الشرق الاوسط وتحديداً مبادرة السلام العربية الي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله عندما كان ولياً لعهد المملكة العربية السعودية وأقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002.

ماذا تعني قرارات ترامب بشأن القدس والجولان وما هي أبعاد قراراته؟
أريد هنا تفسير سلوك ترامب والأسباب الضاغطة على هذا السلوك، والأبعاد السياسية له سواء أكان يدركها الرئيس الأمريكي أم لا، ومن أهم الأسباب الضاغطة على سلوك ترامب هو جهله التام بالسياسة وبخاصة الدولية منها وتحديداً الشرق الاوسط. لقد أوقعه هذا الوضع فريسة تامة للصهيونية الجديدة وأقصد هنا "الصهيونية – الإنجيلية" التي تؤمن بضرورة دعم إسرائيل من أجل الاسراع بعودة المسيح، وهي عملية لاهوتية – سياسية تبدأ باعتبار القدس عاصمة لدولة اسرائيل وصولاً لبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى لاعتقادهم، أي الانجليين في أميركا وبريطانيا وبعض الدول الاوروبية، أن إعادة بناء الهيكل ستعجل عودة المسيح.

أما لماذا يعمل ترامب من أجل الإنجليين؟
الجواب: لقد كانت أصوات هؤلاء والتي تقدر بأكثر من عشرين مليوناً سبباً أساسياً في نجاح ترامب بمواجهة هيلاري كلينتون التي كانت معظم استطلاعات الرأي ترشح فوزها. وكانت نصيحة شيلدون أدلسون اليهودي الصهيوني، ملك القمار في العالم، لدونالد ترامب هي السبب في تغيير نتيجة الانتخابات بعد اتفاق "سري كهنوتي" بين ترامب وشيلدون أدلسون ممثل آل روتشيلد والذي يقضي بوفاء ترامب بالالتزامات العقائدية والدينية والسياسية للطائفة الإنجيلية مقابل ضمان فوزه في الرئاسة. وبعد الفوز الذي لم يصدقه ترامب ذاته ولا عائلته وهي واحدة من المسائل والفضائح التي كشف عنها مايكل وولف في كتابه " نار وغضب" أصبح أداة طيعة فى يد أدلسون وبالتالي في يد بنيامين نتانياهو الذي اعتبره المؤسس للصهيونية الجديدة بعد صهيونية هرتزل الأولى والتي ابتدات في فكرة كتابه الشهير "دولة اليهود" المنشور عام 1896، وصهيونية نتانياهو الجديدة تتجاوز قيام الدولة الاسرائيلية أرض فلسطين التاريخية والجولان إلى قيام دولة تسيطر على جغرافية الشرق الاوسط وتتجاوز المعتقد التقليدي لشعار دولة اسرائيل من الفرات الى النيل ، وهي الصهيونية الاخطر والاكثر دهاء والتى تحكمت بمفاصل النظام العربي منذ ما سمي "الثورة الايرانية " ضد الشاه مروراً بالحرب العراقية الإيرانية إلى إنهاء الثورة الفلسطينية في لبنان، والاحتلال العراقي للكويت وما تبعه من نتائج كارثية، إلى أوسلو والإجهاز على الثورة الفلسطينية وبعدها ما سمي بالربيع العربي.

سواء فاز نتانياهو في اتخابات التاسع من أبريل (نيسان)، ام لم يفز فقد دخل التاريخ كزعيم للصهيونية الجديدة التي تريد "إلغاء الهوية العربية"، وتكوين هوية جديدة للشرق العربي تتزعمها إسرائيل، هوية تبرز بشكل واضح التفوق الكامل لليهود واليهودية على العرب وبقية دول الشرق الاوسط .