مجلس وزراء الداخلية العرب.(أرشيف)
مجلس وزراء الداخلية العرب.(أرشيف)
الإثنين 1 أبريل 2019 / 19:13

وزراء الداخلية العرب متفقون رغم الخلاف!

أي وزير داخلية يشعر بالاكتئاب لفترة طويلة بعد خروجه من الوزارة، فلا حرس شخصياً يرافقه أينما ذهب، ولا موكب مهيباً يرافقه في تنقلاته

يتميز وزراء الداخلية العرب عن أقرانهم الذين يتولون حقائب أخرى في الحكومات، بأنهم أكثر تجهماً وهيبة ووقاراً رسمياً، وربما تكون هذه المواصفات من شروط اختيار وزير الداخلية الذي يتحمل مسؤولية الحفاظ على أمن البلاد والعباد وعلى سلامة أجندة الحكومة، ويتولى حماية زملائه الوزراء وضمان تنفيذ قراراتهم التي تجيء في الغالب مخالفة لهوى الناس وقناعاتهم.

في الواقع، لا بد من الاعتراف بأن وزير الداخلية في أي دولة عربية هو دينامو الحكومة، فلولاه لما استطاع وزير التربية والتعليم ضمان انتظام الدراسة في المدارس والجامعات، ولما استطاع وزير الصحة إبقاء أبواب المستشفيات مفتوحة أمام المراجعين، ولما استطاع وزير السياحة ضمان سلامة الوفود السياحية الزائرة، ولما استطاع وزير الكهرباء حماية أبراج الضغط العالي، ولما تمكن وزير العدل من إنفاذ العدالة وتنفيذ قرارات المحاكم. والأهم من كل ذلك أنه لولا وزير الداخلية لما استطاع المواطنون حمل بطاقات الهوية الشخصية ولما استطاعوا التنقل بجوازات سفر تتيح لهم رؤية العالم.

لوزراء الداخلية هيبة مستحقة تليق بحجم المسؤوليات الجسام الملقاة على أكتافهم، وهم الأكثر استحقاقاً للشارب الغليظ والنظارة السوداء التي تخفي العين الحمراء، والساعات الثمينة التي تؤكد قيمة الوقت وتؤشر إلى المواعيد المهمة في جدول أعمال مزدحم يبدأ بتفقد سجن وينتهي بتوقيع قرارات الإحالة على التقاعد أو المعاش لضباط هرموا في الخدمة.
ربما لهذه الأسباب يتمتع مجلس وزراء الداخلية في الجامعة العربية بامتيازات لا تتمتع بها المجالس الأخرى كمجلس وزراء الإعلام أو مجلس وزراء الخارجية أو مجلس وزراء الأوقاف مثلاً.

من هذه الامتيازات وجود أمانة عامة لمجلس وزراء الداخلية لها مقر دائم في تونس، وتصدر بيانات متواصلة عن إنجازات المجلس، وتستضيف اجتماعات الوزراء المحرومين من المقرات كوزراء الخارجية الذين عقدوا اجتماعهم الأخير في مقر مجلس وزراء الداخلية!

لماذا كل هذا التخصيص بالاهتمام بوزراء الداخلية؟ ولماذا يتم تمييزهم عن أقرانهم الذين يتولون حقائب وزارية أخرى؟

واقع الأمر أن مهمات السادة وزراء الداخلية حساسة جداً، وخطيرة جداً، وضرورية لحفظ الأمن المجتمعي والحفاظ على سلامة منظومات الحكم في كل دولة. لكن ذلك ينطبق نظرياً أيضا على وزراء الخارجية وعلى وزراء الإعلام والتعليم والصحة والتموين والإسكان وحتى الثقافة.. بلا مؤاخذة.

ما يميز وزراء الداخلية عن غيرهم من الوزراء في الدول العربية هو تناغمهم وانسجامهم واتفاقهم الدائم على أي شيء وعلى كل شيء. فهم الوحيدون القادرون على تجاوز الخلافات المعلنة بين العواصم العربية وإصدار بيانات مشتركة وجامعة تمهر بتواقيع الجميع، وهم الوحيدون القادرون على عقد اجتماعات هادئة لا تعكر صفوها المشاحنات بين الأعضاء ولا تعطل قراراتها الخلافات بين وزراء دول الاعتدال ووزراء دول الممانعة، وهم الوحيدون الملتزمون بانضباط شديد بكل ما يصدره مجلسهم الموقر من قرارات المنع والحجب والتقييد.. وحتى المخالفات المرورية التي تعد من المصادر الرئيسة للدخل الحكومي في كل الدول العربية التي تشهد شوارعها مجازر مرورية تحصد أرواح الآلاف سنويا، وتتجاوز أرقام الضحايا فيها، الخسائر البشرية في الحروب والوفيات الناتجة عن الأمراض والأوبئة.

المهم أن السادة وزراء الداخلية محسودون دائماً على مناصبهم وعلى انسجامهم في مجلسهم الموقر وعلى هيبتهم وقدرة كل منهم على توجيه التعليمات برمشة عين. ولولا القدرة الإبداعية الفذة للفنان المرحوم كمال الشناوي في فيلم "الإرهاب والكباب" لاعتقدنا أن السادة وزراء الداخلية يتمتعون بالهدوء والطمأنينة وراحة البال!

واحد من أصدقائي القريبين كان في ما مضى وزيراً للداخلية، وقد لحظت أنه، فور استلامه للمنصب، تغير بحكم الظرف، ولم يعد مقبولاً ولا مستساغاً أن نلتقي في مقهى شعبي، كما لم يكن مقبولاً خلال توليه للمنصب أن يشاهده أحد وهو يلعب الورق مع أصدقائه. لذا كان طبيعيا أن ينعزل عن محيطه الاجتماعي وأن يظل محاصرا في ما يمليه المنصب عليه من بعد عن الحياة الحقيقية وعزلة تحميه من الأصدقاء والفضوليين الذين يريدون رؤية معاليه بلا ربطة عنق ولا نظارة سوداء، ويتسامحون مع الشارب الغليظ باعتباره مكوناً أصيلاً من مكونات هيبته قبل الوزارة.

الملفت أيضاً أن أي وزير داخلية يشعر بالاكتئاب لفترة طويلة بعد خروجه من الوزارة، فلا حرس شخصياً يرافقه أينما ذهب، ولا موكب مهيباً يرافقه في تنقلاته، ولا أمانة عامة تدعوه لحضور الاجتماع الدوري لمجلس وزراء الداخلية.

وما أن يبدأ زوال الاكتئاب حتى يدخل السيد الوزير في حالة أخرى غير مريحة، حيث يتقدم في السن، وتتحول النظارة السوداء إلى نظارة طبية تمكنه من رؤية ما حوله، ويصير الشارب الكث الغليظ أبيض شائبا بلون الحاجبين، ويصبح السفر مشقة لا يحتملها الطاعنون في الكهولة، ويصير مجلس وزراء الداخلية مجرد ذكرى تعن في البال أحياناً.