سلطان بروناي حسن بلقية(أرشيف)
سلطان بروناي حسن بلقية(أرشيف)
الجمعة 5 أبريل 2019 / 20:45

رجم حتى الموت

للمتطرفين أحاسيس ومشاعر، وولاء وتقديس للأواصر العائلية... مثلنا تماماً، ومن المستحسن ألا نستنهض هذه العواطف فيهم

ربما لم يكن مسلسل "سيلفي" بالعمل العبقري الذي يستحق تذكره رمضاناً تلو الآخر، بيد أني صرت فجأة أتمنى ترجمة إحدى حلقاته بكل لغات العالم، ليرى الناس على وجه التحديد تلك اللقطة الشهيرة التي يتعرض من خلالها ناصر القصبي للذبح على يد ابنه الداعشي.

ليستوعب العالم أن للمتطرفين أحاسيس ومشاعر، وولاء وتقديس للأواصر العائلية... مثلنا تماماً. وبأنه من المستحسن ألا نستنهض هذه العواطف فيهم.

فقد انتفض الغرب أخيراً ضد قرار سلطان بروناي حسن بلقيه،  بتطبيق حد الرجم حتى الموت على المثليين جنسياً، فتراوحت ردود الأفعال بين الإدانة، واستدعاء السفراء، والاقتراحات بمقاطعة سلسلة الفنادق التي يمتلكها السلطان، وكأنما نستطيع تكبّد تكلفة المشي في بهوها.

أما عمر الشريف جونيور، وهو حفيد الفنان العظيم عمر الشريف، فاختار أسلوبا آخر للضغط على بروناي.

لقد ذكر الشريف بتقارير عن "المثلية الجنسية" لأحد أبناء السلطان. وبتغريدة واحدة، ذكّر الشريف الإعلام الغربي بصوره وتقاريره التي كانت تلمّح منذ سنوات لتك القضية، مشككاً في عدم معرفة السلطان بأسلوب أحد أبنائه.

ومن المرجح أن ينال الشريف ومن خلفه الإعلام الغربي مرادهم من خطابهم اللاذع وما حققه من أصداء وطرحه من تساؤلات، ومن ذلك تأكيدهم أن السلطان بلقيه لن يعدم أحد أبنائه.

ولكن الغالبية العظمى من المتشددين دينياً ليسوا حكُاماً وملوكاً، أو مشاهير ومتنفذين وذوي جاه. لا سمعة دولية لهم ليرعوها، ولا "باباراتزي" يطاردهم ليتقفّى أخبارهم.

ابتزاز هؤلاء بعواطفهم ومشاعرهم يكاد يكون من أكثر ردود الأفعال حماقة وتهوراً. إننا حينما نحاول لي ذراع المتطرف بذويه، وأخوته، وزوجته وأبنائه، وأعز أصدقائه، فإننا لا نطفئ بالضرورة حرائق التشدد المستعرة في جوفه. بل إن الأحباء والمقربين يمثّلون وقوداً من نوع خاص للمتطرف، واختباراً حقيقيا لنيرانه، فينتشي عندها بزعم أنه "لا يخشى في الله لومة لائم" ولو جعل من فلذات كبده حطباً لعقيدته.

ولا أتخيل جرّاح الشامي الإدلبي الذي ألهم "سيلفي" بقصة نحره لوالده بتهمة ممارسة السحر- إلا وهو يبكي ألماً فيما يستل السيف لإقامة الحد، وربما ذلك ما دفعه بعد إعدامه لأبيه لركوب سيارة مفخخة، فهرب من الحياة منتحراً. أولم يكن إنساناً مثلنا؟ يضعف مبدئيا أمام الحب والانتماء؟

ولكن ذر العواطف على التطرف ليس له مفعول مؤكد ومضمون، فتوقفوا عن استفزاز قدرة داعشيتهم على التهام كل ما في طريقها.