مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيف)
مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيف)
الإثنين 8 أبريل 2019 / 19:58

في الضفة نعش التسوية

حين قال وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو إن ترامب هدية من الرب لإسرائيل كان مخطئاً بالزج باسم الخالق في هذا الخيار الكارثي، لأن الله يهدي البشر أنبياء صالحين ولا يمحقهم بالطغاة.

نستعد لتأبين التسويات ومبادراتها، والخروج من حصار الخطاب السياسي البائس لمواجهة لحظات الحسم الصعبة، والعودة إلى نقطة الصفر، وإعادة صياغة المشروع الفلسطيني.. والتفكير الجدي بدولة واحدة

لكن الوزير كان محقاً في توصيف مواقف رئيسه الأكثر انحيازاً لإسرائيل منذ نشأة أمريكا والأكثر مجاهرةً ومفاخرةً بهذا الانحياز السافر والمستفز الذي يتجاوز الشراكة إلى التبني الكامل لكيان طارئ على الجغرافيا والتاريخ في شرق المتوسط.

منذ اليوم الأول للرئيس في البيت الأبيض كان واضحاً أن الفلسطينيين مقبلون على زمن مختلف عن كل ما سبقه، وكان واضحاَ أيضاً أن دونالد ترامب سيُصفي حساباته السياسية مع خصومه السياسيين على حساب الفلسطينيين، وسيصفي حساباته مع أعدائه الإيرانيين على حساب الفلسطينيين أيضاً، وسينقل أمريكا من حالة القوة الموجهة للسياسات في المنطقة إلى حالة الصياغة لهذه السياسات وتنفيذها بالتهديد المباشر، وكان ذلك أيضاً على حساب الفلسطينيين، باعتبارهم الطرف الأضعف في المعادلة القائمة في الشرق الأوسط منذ ثلاثين عاماً.

من جهتهم، ورغم إدراكهم للكارثة واستشعارهم لما هو قادم، ظل الفلسطينيون ساكنين، واختاروا الانخراط في الرهان على الوهم، وشاركوا في محاولة التقليل من خطورة السياسة الأمريكية ولجؤوا إلى الخطاب الديبلوماسي البائس الذي حاول في البداية نفي وجود صفقة قرن أمريكية لإنهاء القضية الفلسطينية واغتيال المشروع الوطني الفلسطيني.

ولم يصدر رد فعل فلسطيني إلا بعد أن أكد الأمريكيون والإسرائيليون وجود هذه الصفقة وبدأوا بتطبيقها باعترافات أمريكية بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على القدس.

يومها أعلنت السلطة الفلسطينية وقف الاتصالات مع الولايات المتحدة، واستنكر رئيس السلطة هذا الموقف الأمريكي مؤكداً أن أمريكا، بهذا الموقف، لا تصلح لرعاية عملية السلام، وكأنها كانت تصلح للتفرد بهذا الدور قبل ترامب! 

منذ ذلك التصريح لرئيس السلطة وما تلاه من بيانات وتصريحات لما يمكن تسميته بالمعارضة ممثلة بحركة حماس، لم يتغير شيء، فالانقسام الفلسطيني ما زال قائماً ويتعزز يوماً بعد آخر بقرارات حمقاء تسعى إلى الفصل بين الضفة وغزة بشكل نهائي، والفصائل كلها منهمكة في محاولة البقاء على قيد الوجود السياسي بعد أن تجاوزها الزمن، وبعد أن انفض عنها الفلسطينيون الذين لا يشبهون شعباً آخر في المنطقة باستشعارهم للخطر، وبقدرتهم على تخليق الواقع البديل، وبوعيهم الوطني المتقدم على الأطر حتى في زمن الثورة.

قريباً، وربما بالتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية، ستُعلن واشنطن صفقتها، وربما تُقدم قبل ذلك هدية أخرى لإسرائيل بإعلان اعترافها بضم الاحتلال للمستوطنات السرطانية في الضفة، وقد يتجاوز الأمر المستوطنات إلى المناطق المصنفة "c" وربما يعقب ذلك سريعاً إعلان أمريكي بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على كل الضفة المحتلة، ما يعني عملياً العودة إلى زمن ما قبل أوسلو بكل استحقاقاته السياسية والميدانية، ولكن هذه المرة بلا ظهير وبلا إمكانات وقدرات كانت متوفرة للثورة الموؤودة.

هناك من يطرح السؤال: وماذا بعد؟ وكيف سيكون رد الفعل الفلسطيني؟ وما الذي يستطيع الفلسطينيون أن يفعلوه في مواجهة هذا الاجتياح العدائي غير المسبوق؟

لا أحد يستطيع الإجابة على هذه الأسئلة الآن، لكن الحقيقة المؤكدة أن الفلسطينيين لن يصمتوا، ولن يكتفوا بالرفض الشفهي للمشروع الأمريكي من قبل قيادات الانقسام، وربما يفاجئون الإسرائيليين وراعيهم الأمريكي بخلق حالة يصعب فيها على إسرائيل تحمل كلفة الاحتلال، كما يصعب أيضاً إن لم يكن مستحيلاً، طرح مشاريع التسويات التي تدفن كلها الآن في الضفة.

تقتضي الحكمة أن نتوقع الأسوأ، وتؤكد تجارب الأزمان المرة، أن الرهان على الصمت الفلسطيني خائب دائماً.

نستعد لتأبين التسويات ومبادراتها، والخروج من حصار الخطاب السياسي البائس لمواجهة لحظات الحسم الصعبة، والعودة إلى نقطة الصفر، وإعادة صياغة المشروع الفلسطيني.. والتفكير الجدي بدولة واحدة.