إحدى لوحات محمد الرواس (أرشيف)
إحدى لوحات محمد الرواس (أرشيف)
الخميس 11 أبريل 2019 / 20:31

محمد الرواس... اللوحة في اللوحة

في أوائل معرض محمد الرواس لوحة كبيرة امتلأت بخطوط ومساحات هي في اجتماعها تُشعر بقوة البناء الذي قامت عليه. أما اللافت فهو تاريخ اللوحة 1975 واللوحة كما يتراءى لم توضع في مكانها هذا عبثاً فنحن لا نزال نشعر ونحن نتجوّل في المعرض أن جزءاً منه خرج، على نحو ما، من هذه اللوحة، وأن فكرتها، إذا كان لنا أن نتكلم عن فكرة، اختمرت وتكشّفت في بقية المعرض.

في وسعك أن تجد في فنّه فيلاسكيز وديلاكروا وكارافاجيو، كما تجد في الوقت نفسه سوريالية الأشياء غير الفنية والبوب آرت

لوحة 1975 ليست الوحيدة من هذا العام، فهناك مثيلات لها وجميعها في ما يشبه أن يكون مقدمة المعرض، وجميعها لم تُستدع من 1975 أو 1974 عبثاً. إنها في أساس مشروع ليس المعرض بكامله في صالة صالح بركات في بيروت الا تجسيده، وها هو المشروع يتكامل ويتم بحيث أن في وسعنا أن نتكلم بدءاً من هذا المعرض عن مشروع الرواس وعن تطوره واستمراره.

يبدو معرض محمد الرواس لذلك متكاملاً. على المتأمل أن يأخذه بكليّته وأن يتناوله جزءاً جزءاً كعمل يزداد تجليه كلما اتسع، وتزداد وجهته وضوحاً، أو تتكوّن وجهته، كلما استرسل في العمل. بل يمكن القول إن الفن هنا موجود كفكرة وموجود بالدرجة الأولى كغرض للبحث وكجهد نظري وكتمرين وصناعة، كما هو بالدرجة تأليف وابتكار. يمكننا هكذا أن نقرأ المعرض بكامله وأن نجد فيه مشروعاً يتكامل فصلاً وراء فصل الى أن يصل الى خلاصة ما. هذه المرة ستكون الخلاصة خروجاً من اللوحة واتجاهاً الى منحوتة يتيمة في المعرض، لكنها رغم يتمها وانفرادها تتبع المشروع بل تكاد أن تكون كلمته النهائية.

محمد الرواس بدأ كرسام كامل. في وسعك أن تجد في فنّه فيلاسكيز وديلاكروا وكارافاجيو، كما تجد في الوقت نفسه سوريالية الأشياء غير الفنية والبوب آرت وبالطبع ثمة أشياء من الصور المتحركة وشخصيات منها يمكن للرواس أن يصنّعها ويصنعها واذا نظرت الى اللوحة نفسها بدت لك وكأنها أحدوثة كاملة، في تغريبها وتفاوتها بالدرجة الأولى فأنت سترى شخصية من دي لا كروا جنب شخصية من الروك وأمام لوحة  "الرواس يضع لوحة داخل لوحة ما يذكر من بعيد بالمسرح داخل المسرح وللمشهد الرواسي على كل حال صلة واضحة بالمسرح بل إن لوحاته أقرب الى أن تكون مشاهد مسرحية".

كل هذه العناصر تضمها لوحة الرواس الذي يقوم تجاهها بما يشبه عمل المهندس، الأمر الذي يتم بإضافة خطوط وأشكال شبه نحتية تقوم بالربط بين أشياء اللوحة وإبرازها مشهدياً بصورة تشبه العرض، إذ نحن أمام لوحة خارجة من تاريخ الفن لوحة هي أيضاً أمثولة لهذا التاريخ ومثل عليه.

هكذا يستوي تاريخ الفن بمدارسه ومحطاته، فنجد أنفسنا أمام دالي جديد ونجد أنفسنا أمام تسوية فنية تاريخية. هنا عصر النهضة يتآلف مع الصور المتحركة مع الديكور الحديث مع شخصيات من التلفزيون والمسرح. تسوية تخترق الزمن وتعايش فترات وأزياء متعددة متفاوتة في زمانها.

هنا نجد الفن موحداً متكاملاً. الفن كله كمشروع أمامي، وبطبيعة الحال عمل كهذا يتطلب من القوة والبناء، فنحن أمام عمل لا محل فيه للعشوائية ولا محل فيه للبساطة ولا العفوية. هذا العمل الذي بدأ كما يؤرخ لنفسه 1975 هو عمل معلم، واللوحة هنا ليست تعليقاً أو ملاحظة أو نثرة أو شذرة.

إنها مشهد متكامل وعمل صيغ ليكون تحفة وليخرج هكذا من زمنه فيكون فناً كما يُراد من الفن أن يكون، وتكون اللوحة بحد ذاتها منذ الآن في المتحف وفي تاريخ الفن.