السودانية آلاء صلاح التي تحولت أيقونة الثورة.(أرشيف)
السودانية آلاء صلاح التي تحولت أيقونة الثورة.(أرشيف)
الثلاثاء 16 أبريل 2019 / 19:50

السودانيات يثأرن عن عذابات عقود

عامل نظام البشير النساء كمواطنات من درجة ثانية بعدما ثبّت انقلابه عام 1898 الشريعة الاسلامية، وفرض على النساء أقسى القيود وأودعهن السجون

ليس غريباً أن تلعب المرأة السودانية دوراً أساسياً في ثورة بلادها، وأن تحتل الصفوف الامامية للاحتجاجات التي أطاحت الرئيس السوداني المشير عمر حسن أحمد البشير وتتحول أيقونة لها. وليس جديداً أن تنزل السودانيات الى ساحة اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، ويقفن على الخط الأمامي للمواجهات، يداً بيد مع إخوانهن الرجال في وجه الظلم والفساد، يخاطبن الجماهير، يحشدنهن ويعددن لهن الطعام ويداوين الجرحى والمرضى، ويجمعن التبرعات، ويتطلعن إلى سودان أفضل. وكم نجحت طالبة الهندسة آلاء صلاح التي اعتلت المنابر بزيها التقليدي الأبيض، وقرطها الذهبي، مؤدية اغنيات حماسية، في ترك أثر كبير في الوجدان العام.

كانت السودانيات قديماً محركاً أساسياً في التحولات الكبيرة التي شهدتها بلادهن واضطلعن بأدوار محورية في مجمعاتهن. ففي الممالك النوبية السودانية القديمة، كن "كنداكات" (الملكات العظيمات) و"ميارم" (الأميرات)، وهي الألقاب التي يسمعها العالم خلال الثورة السودانية.

وسبقت المرأة السودانية بعض نظيراتها العربيات في المشاركة السياسية بدءاً من الممالك القديمة، ومروراً بالثورة المهدية 1885 والحركة الوطنية 1924 ثم شاركت في استقلال بلادها عام 1956، وفي ثورتي أكتوبر (تشرين الأول) 1964 وانتفاضة أبريل (نيسان) 1985. وحصلت المرأة السودانية على مكتسبات هي حق التصويت والانتخاب بموجب نصوص الدستور، لكنّ وجودها الحالي في البرلمان رغم كثافته لم يعد إلا وجوداً شكلياً في ظل حكم البشبر خصوصاً. فعلى رغم الجذور التاريخية للحماسة النسائية في ساحة الاعتصام، تحولت الثورة "أنثى"، كما يحلو لمحتجات وصفها، ثأرأ من ثلاثين سنة من الاستضعاف والإقصاء اللذين واجهتهما في عهد حكومة عمر البشير ونتيجة مفاهيم مجتمعية في الريف والحضر. فقد كان الرئيس المخلوع نفسه هدفاً للسودانيات اللواتي نزلن الى الشارع لصب غضبهن عليه والانتقام لأنفسهن.

عامل نظام البشير النساء كمواطنات من درجة ثانية بعدما ثبّت انقلابه عام 1898 الشريعة الاسلامية، وفرض على النساء أقسى القيود وأودعهن السجون. فبموجب أحكام قانون النظام العام (الذي أقر عام 1992)، ألقي القبض على النساء واحتجزن وضربن وسجنّ لارتدائهن ما يعتبر أنه ملابس غير لائقة، أو لعدم تغطيتهن شعرهن. ولم يوفر ذلك القانون السودانيات الفقيرات اللواتي تركن الأرياف وتحولن باعات متجولات في الشوارع. وكيف يمكن للنساء ألا يكنّ رأس حربة الانتفاضة ضده بعدما حكم نظامه في سنة واحدة (2016) بالجلد على 15 ألف امرأة، كما تقول منظمات سودانية غير حكومية.

أما الاقتصاد المنهار تحت وطأة المحسوبيات وفساد النظام السوداني، فليس الا دافعاً إضافياً لنزول النساء الى الشوارع، لأن المرأة أكثر من الرجل تشعر بضيق الأحوال المعيشية اليومية، وخصوصاً عندما يصل الأمر إلى لقمة عيش أولادها.

وفي أي حال، فقد أضفى الحضور النسائي على رغم دوافعه "التأثرية"، لمسة خاصة على احتجاجات السودان، ولعله شكل سبباً أساسياً للنجاح الحقيقي للثورة السودانية والذي تجلى بسلمية الحراك السياسي وشعاره المهادن..."بس تسقط".