الفيلسوف الإنغليزي توماس هوبز 1679- 1588. (أرشيف)
الفيلسوف الإنغليزي توماس هوبز 1679- 1588. (أرشيف)
الثلاثاء 16 أبريل 2019 / 20:06

الطبيعة والقانون

حاول هوبز أن يقدم صورة حية لأوضاع الناس في "حالة الطبيعة"، اعتقاداً منه، أن فهم الناس للبناء العقلي للدولة، مسألة أساسية تساعدهم على التمسك بالنظام والقانون

لعل الدكتور إمام عبد الفتاح إمام من أهم شُرَّاح الفلسفة الغربية في الثقافة العربية، ويأتي اسمه بعد العظام، وفي مرتبتهم، عبد الرحمن بدوي، يوسف كرم، عثمان أمين، زكي نجيب محمود. في كتاب إمام القيم "توماس هوبز.. فيلسوف العقلانية"، يعرض لنا آراء فيلسوف القرن السابع عشر، الإنغليزي الأشهر توماس هوبز (1679- 1588)، في الاضطرابات السياسية، والفتن، والفوضى، والحروب الأهلية. يفترض هوبز أن "حالة الطبيعة"، أي حالة الفوضى، أو حالة الغابة، هي المدخل المفضي لبناء الدولة. لماذا مهَّد هوبز لفكرته عن إنشاء الدولة، بالحديث عن الفوضى الطبيعية؟

ربما بسبب أن الناس كلما أدركوا عن وعي، النتائج السيئة المترتبة على حالة الفوضى والاضطراب، كلما تشبثوا بالقانون. جرتْ العادة في العصور القديمة، لا سيما الرومانية، أن يُترك الناس خمسة أيام من غير ملك، من غير قانون، بحيث تعم الفوضى والاضطراب في جميع أنحاء البلاد. الهدف من وراء ذلك هو أنه بنهاية الأيام الخمسة، وبعد أن يصل السلب والنهب والاغتصاب والقتل إلى أقصى مدى، فإن الذين يبقون سالمين، أو على قيد الحياة، بعد هذه الفوضى الطاحنة، سوف يكون لديهم ولاء حقيقي وصادق للملك الجديد.

التجربة تُعلِّم الناس مدى رعب الحالة التي يكون عليها المجتمع إذا ما غابتْ السلطة السياسية. حاول هوبز أن يقدم صورة حية لأوضاع الناس في "حالة الطبيعة"، اعتقاداً منه، أن فهم الناس للبناء العقلي للدولة، مسألة أساسية تساعدهم على التمسك بالنظام والقانون.

شاهدنا في السنوات التسع الماضية، ما اصْطُلح على تسميته ب "الربيع العربي"، من وجهة نظر الغرب، وهو ربيع يساوي في دماره "حالة الطبيعة" التي تحدث عنها هوبز. صنع الغرب حضارته بقسوة القانون، وعبادته، وليس بالحريات المنفلتة، الفوضوية. الغربيون في السر هوبزيون، نظاميون، فيما يتعلق بحياتهم الاجتماعية، وفي العلن ديموقراطيون، فوضويون، فيما يتعلق بمصالحهم المادية تجاه الشرق.

شاهدنا أيضاً الفزع المُفاجئ أمام خروج بريطانيا، الفوضوي، من الاتحاد الأوروبي، فهم يتحدثون فقط، وبرعب، عن الفوضى، وعدم اليقين، وغموض المستقبل الاقتصادي، ولا يأتي على ألسنتهم حديث عن الديموقراطية، واحترام نتائجها، أو الحريات التي ضُربتْ في عرض الحائط، باعتقال جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس، من قِبَل الشرطة البريطانية، تمهيداً لتسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تراه خارجاً عن القانون.

يرسم هوبز طريقاً لخروج الإنسان من "حالة الطبيعة"، إلى بناء الدولة، عبر التفرقة بين الحق الطبيعي، والقانون. يقصد هوبز بالحق الطبيعي، هو الحرية الممنوحة لكل إنسان، لاستخدام قواه الخاصة، للمحافظة على حياته، وبالتالي المحافظة على حريته في أن يفعل أي شيء يكون في تقديره، لتحقيق هذه الغاية.
أمّا القانون، فهو فكرة عامة، يكتشفها العقل، ليمنع بها الإنسان من تدمير حياة الآخرين، حتى لو كانت حياة هذا الإنسان من وجهة نظره، تتوقف على تدمير حياة الآخرين، تتوقف على حريته الشخصية التي يهدد وجودها، وجود الآخرين. في رأي هوبز، يتعارض الحق الأخلاقي مع القانون العقلاني. الحق الأخلاقي، فضفاض أكثر من اللازم، والقانون العقلاني، شكيمة الدابة، حديدة اللجام، التي تجعل ريالة الحق الأخلاقي، تسيل عند اللزوم.

لا يحرم هوبز القانون العقلي من نعمة القيم الأخلاقية، فالإنصاف، والعدالة، والتواضع، والرحمة، تنسجم مع القانون العقلي، وهي ضد انفعالات التعصب، والغرور، والانتقام، وهي الانفعالات التي تقود إلى الحروب الأهلية. يذهب هوبز أخيراً إلى أنه لا عذر لمن يجهل القانون، لأن كل إنسان وصل للقدرة على استخدام العقل، يُفترض فيه أنه يعرف.

في عصرنا الما بعد حداثي، أصبحتْ مُعضلة الحكم على مَنْ يرتكب جريمة، بأنه كان في كامل قواه العقلية، تساوي في صعوبتها قراءة كتاب إيمانويل كانط "نقد العقل المحض"، فدروب الأمراض النفسية والعقلية التي تُعطِّل القانون، وبالتالي العقوبة، لا نهاية لها. على سبيل المثال مجازر المتأسلمين المتشددين، واليمينيين العنصريين، والمراهقين في المدارس الأمريكية الذين يفتحون النيران فجأة على زملائهم.

عاصر توماس هوبز الحرب الأهلية البريطانية بين الملكيين والبرلمانيين. بدأتْ الحرب في 1642، وكان هوبز في الرابعة والخمسين من عمره، وانتهتْ 1651، وهوبز قد وصل إلى الثالثة والستين من عمره، وعاش بعد الحرب 28 عاماً، ثم مات في الحادية والتسعين من عمره المديد.

يقول هوبز في سيرته الذاتية: "لقد وضعتْ أمي توأماً مرة واحدة، أنا والخوف. إن الخوف يُطاردني، إنه يتعقب خطواتي. أخشى ضربة قوية تهبط على رأسي لاعتقاد أحد الأوغاد أنني أضع في غرفتي خمسة جنيهات أو عشرة.