وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني برفقة رئيس الحكومة الإيطالية جوسيبي كونتي.(أرشيف)
وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني برفقة رئيس الحكومة الإيطالية جوسيبي كونتي.(أرشيف)
الجمعة 19 أبريل 2019 / 12:29

رهانات إيطاليا القطرية... النزول إلى الجحيم مستمر

انتقدت الصحافية الإيطالية سعاد سباعي الاجتماعات التي عُقدت مؤخراً في روما بين وزير خارجية الدوحة محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ونائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي أحمد معيتيق ورئيس الحكومة الإيطالي جوسيبي كونتي ووزير الخارجية إنزو موافيرو ميلانيزي.

حشر الإخوان وقطر الحكومة الإيطالية في الزاوية ولم يعد بإمكانها التحرر بعدما وجها دعوة لنفسيهما كي يزورا روما، ومنها، إعلان حل سياسي للأزمة الليبية

وكتبت في صحيفة "لوبينيوني" الإيطالية أنّ هذه اللقاءات عقدت بالضبط حين كانت جميع الصحف المحلية تناقش فضيحة ما جاء في كتاب أوراق قطر والذي أظهر تمويل أمراء الدوحة لانتشار التطرف الإخواني من شمال إيطاليا إلى جنوبها.

كان هدف القمة البحث عن حل سياسي للأزمة العسكرية التي تواصل الحكومة الإيطالية تحميل هجوم المشير خليفة حفتر على طرابلس المسؤولية عنها. والهجوم موجه ضد فايز السراج وهو رئيس حكومة معترف به من المجتمع الدولي علماً أنّ رئاسته لم تلق الشرعية من تصويت شعبي على الإطلاق. في الواقع، إنّ الموقف الإيطالي يشوه الظروف التي أدت النزاع الحالي.

الانتخابات تعني هزيمة إخوانية

كانت الفصائل السياسية والميليشيات المسلحة المرتبطة بالإخوان هي التي منعت، بعد سنوات من المفاوضات الرسمية وغير الرسمية، اتفاقاً لتقاسم السلطة وإنشاء حكومة وحدة وطنية قادرة على تنظيم انتخابات جديدة واستفتاء على الدستور. يدرك إخوان ليبيا المدعومون من قطر وتركيا المارقتين أنّ العودة إلى الانتخابات تعني الهزيمة كما حصل في يونيو (حزيران) 2014. واقتحمت الميليشيات الإخوانية طرابلس مجبرة الحكومة والبرلمان الناتجين عن انتخابات عادية، على اللجوء موقتاً إلى طبرق مما أدى إلى صدع لم يتم ردمه إلى اليوم.

حفتر يواجه سياسة شراء الوقت
عوضاً عن تبني موقف واضح بمعارضة الانقلاب ودعم السلطات الليبية الشرعية، قررت الأمم المتحدة إنشاء سلطة مصطنعة ومقرها طرابلس حيث ستمثل الإخوان في مسار تفاوضي لتحقيق المصالحة الوطنية. هكذا أبصر المجلس الرئاسي وحكومة السراج النور، وقد جرت المفاوضات خمس سنوات من دون التوصل إلى تسوية. سمح ذلك للميليشيات الإخوانية التي سلحتها قطر وتركيا بمواصلة سيطرتها على طرابلس حتى أجل غير مسمى. الاجتماع الذي كان مقرراً في غدامس بين 14 و16 أبريل الحالي كان ليسمح للسراج بكسب المزيد من الوقت مما يؤدي إلى إدامة المراوحة الديبلوماسية.

من هنا، اعتبر حفتر أنّه آن أوان اتخاذ المبادرة العسكرية ومهاجمة الميليشيات الإخوانية التي تحتل طرابلس عبر الجيش الليبي الوطني الذي يرأسه بناء على تعيينه في هذا المنصب من قبل مجلس النواب سنة 2015. وسبق الهجوم حملة في منطقة فزان الجنوبية حيث تمكن الجيش الذي سبق أن حرر بنغازي من الميليشيات الإسلامية الإخوانية أن وسع سيطرته على المناطق النفطية الاستراتيجية فيها، مع رؤية توحيدية للبلاد يتم استكمالها بتحرير العاصمة من الإخوان.

النزول إلى الجحيم مستمر

اختارت إيطاليا أن تضع كامل رهانها على الإخوان وعرابتيهم الإقليميتين، الدوحة وأنقرة. قد يكون مفهوماً سعي الحكومة الإيطالية إلى نوع من أنواع التطمين المبنية على السياسة الواقعية نظراً للمصالح المرتبطة بالطاقة في طرابلس التي تنطلق أيضاً من شواطئها قوارب المهاجرين. لكن زيارة آل ثاني ومعيتيق إلى روما تظهر الحكومة في موقع الخنوع للمخيم الإسلاموي الناتج عن الاستعمار اللطيف التي سمحت الطبقة السياسية، بدءاً من الرئاسة الإيطالية، بتعرض البلاد له. لقد أعدت حكومة رنزي سياسة احتضان قطر وقد ورثها كونتي من دون إدخال أي تعديل عليها، بل استمرت الحكومة نزولها إلى الجحيم والذي تجسد عبر استمرار الأزمة الليبية.

مصادفة؟
لم يصدّق حفتر مطلقاً محاولات روما التوسط للوصول إلى اتفاق، حتى في مؤتمر باليرمو حيث تبادل المصافحة مع كونتي والتقط صورة مع السراج من أجل إعطاء رئيس الوزراء الإيطالي فرصة إثبات صدقيته كوسيط. لكنّ مناورات قطر تغلبت على كونتي ومسؤولين حكوميين آخرين كما برهنته زيارته إلى الدوحة أوائل أبريل حيث تم تسليط الضوء على وجود "توافق" بين إيطاليا وقطر حول استقرار شمال أفريقيا. وتساءلت سباعي عما إذا كان فعلاً مجرد مصادفة أن يطلق حفتر هجومه على طرابلس بعد أيام قليلة على الزيارة.

هزيمة استراتيجية
لقد حشر الإخوان وقطر الحكومة الإيطالية في الزاوية ولم يعد بإمكانها التحرر بعدما وجها دعوة لنفسيهما كي يزورا روما، ومنها، إعلان حل سياسي للأزمة الليبية من دون أي معارضة. على صعيد آخر، إنّ الهجمات المستمرة ضد فرنسا لن تخدم سوى في تشتيت انتباه الجمهور، أو بالأحرى الناخبين، عن المسؤوليات التي استطاعت الحكومة مراكمتها في أقل من سنة لتتولّد عنها خسارة استراتيجيّة جديدة لإيطاليا، تشبه خسارتها معركة كابوريتو خلال الحرب العالمية الأولى، لكن هذه المرة في ليبيا.