أفغانيات بالبرقع تحت حكم طالبان (أرشيف)
أفغانيات بالبرقع تحت حكم طالبان (أرشيف)
الجمعة 19 أبريل 2019 / 19:09

طالبانيات في ظلال الدوحة المشبوهة

أنا من جيل لن تستطيع الدوحة –بظلالها الوارفة على الإرهابيين الإسلامويين، لا سيما مكتب حركة طالبان السياسي- أن تخدعه

كنت لا أزال طفلة بالمدرسة الابتدائية، حينما اجتاحت العدالة والديمقراطية الأمريكية أفغانستان، فأستطيع القول إني ترعرعت على مناهضة لطالبان. إن صورة الملتحي الذي يجلد النساء المتسربلات بالبرقع الأزرق محفورة في ذاكرتي، كما لو أنني شاركت هؤلاء النسوة الأفغانيات الصراخ هلعاً وذُلاً.

أنا من جيل لن تستطيع الدوحة –بظلالها المشبوهة الوارفة على الإرهابيين الإسلاميين، لا سيما مكتب حركة طالبان السياسي- أن تخدعه. ففي أذني تتردد منذ سنوات المراهقة وقع أقدام "عدّاء الطائرات الورقية"، وفي عيني "ألف شمس ساطعة" من الذكريات، إلى جانب جميع قطع الأحجية التي شكّلت لي واقع أفغانستان.

بالطبع، لم أجد في فمي سوى طعم المرارة، حينما علمت أن مؤتمر الحوار الأفغاني المرتقب -والذي سترعاه قطر- سيشهد للمرة الأولى على الإطلاق مشاركة لنساء من حركة طالبان، واللاتي وُصفن بأنهن "أنصار للإمارة الإسلامية، وجزء من كفاحها".

وتحوّلت المرارة في فمي إلى "أسيد" حارق إذ عبّرت جيان شاهين، السناتورة الأميركية، عن سعادتها بمشاركة شقيقاتها الطالبانيات في المؤتمر، والإشادة بإسهام هذه المشاركة في صورة أفغانستان أمام المجتمع الدولي.

ثم اندلعت من فمي ألسنة اللهب الغاضب حينما رحّبت فوزية كوفي، السياسية الأفغانية والناشطة في مجال حقوق المرأة، بالخطوة الجيدة، على حد تعبيرها.

فشاهين وكوفي من العديدين الذين يشهدون بأن "أيديولوجية طالبان قد تغيّرت" منذ تلك الحقبة السوداوية، لا سيما على صعيد مواقفها من المرأة. وهذه القصص ليست مختلقة تماماً عن الحركة، بل إن طالبان أصبحت فعلاً أكثر تسامحاً مع المرأة، كتقبلها لحقها في التعليم.

ولكن ما سيتم الضحك على الذقون بشأنه هو إصرار طالبان المستمر على الالتزام بفهمها المتعنت والجامد للشريعة الإسلامية، فيما تتخذ خطوتها التي بالكاد تُرى بالعين المجرّدة نحو منح المرأة حقوقها. بلغة العقل، فإن "التطور" الذي سيصفق له البعض كالقردة لا زال يجعل طالبان نسخة أشد ظلامية حتى من نظام الملالي الإيراني، وكأنما تفضّلت الحركة على المرأة حينما خففت عصا التشدد التي تجلدها بها!

وما سيتم دسه بخفة يد منقطعة النظير تحت السجاد الأحمر للمؤتمر هو الخوف الحقيقي الذي تحمله شريحة ضخمة من النساء الأفغانيات من عودة سلطة طالبان إلى ما كانت عليه قبل 2001، إذ يرغبن في المحافظة على ما يعتبرنه تقدماً عوضاً عن السماح بضياع المزيد من أعمارهن في سبيل تطبيق الحركة لنسخة منقحة من جنونها.

وليس بإمكاني أن أعاتب طالبان، فهي –حاشاها- لم تقدّم نفسها يوما باعتبارها حركة تقدمية مثلاً.

إنما اللوم يقع على الدوحة التي لم تتخلص من شغفها الصبياني بالإرهاب، وكان إعلامها يتكفل بنشر مقاطع "الشيخ" أسامة بن لادن، ويكللها بهالة القدسية والبطولة، ها هي قاعات مؤتمراتها اليوم تمهّد لإعادة تدوير وتعليب التطرف، وتسويقه تحت مسمى جديد من الوسطية الإسلاموية.