السبت 20 أبريل 2019 / 19:54

تمجيد العلم في رسالة الإسلام

يقتصر العلم في نظر الإسلام على "الوحي" أي الرسالات السماوية، إنما هو أيضاً "علم العقل"، الذي يقوم على التفكير والحدس، وهو في الحالتين علم يبتغي الخير أو تحقيق ما يفيد الناس

نظر القرآن إلى المعرفة على أنها رغبة فطرية أودعها الله في الإنسان لتكون إحدى أدواته للقيام بعمارة الأرض والعلم، وجعل لأهل العلم مكانة بين الناس وفضلا عليهم، وهو ما تبينه الآيات: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (الزمر:9) و"يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم دراجات والله بما تعلمون خبير" (المجادلة:11) و"وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً" (طه:114) و"إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء". وأول آية نزلت في القرآن هي: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" (العلق:1).

ولفت هذا انتباه ابن خلدون فأورد في مقدمته تحت عنوان "العلم والتعليم الطبيعي في العمران البشري" ما يفيد باقتناعه بأن طلب المعرفة شيء فطري في الإنسان، فقال: "إن الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحركة والغذاء وغير ذلك، وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به، لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه، والاجتماع المهيئ لذلك التعاون، وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله سبحانه وتعالي.. فهو مفكر في ذلك كله دائماً، لا يفتر عن الفكر فيه طرفة عين، بل اختلاج الفكر أسرع من لمح البصر، وعن هذا الفكر تنشأ العلوم والصنائع المختلفة، ثم لأجل هذا الفكر ما جبل عليه الإنسان بل الحيوان من تحصيل ما تستدعيه الطباع، فيكون الفكر راغباً في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات، فيربح على من سبقه بعلم أو زاد عليه بمعرفة أو إدراك أو أخذه ممن تقدمه من الأنبياء الذين يبلغونه لمن تلقاه فيلقن ذلك عنهم ويحرص على أخذه وعلمه، ثم إن فكره وعلمه ونظره يتوجه إلى الحقائق، وينظر ما يعرض عليه لذاته واحداً بعد آخر، ويتمرن على ذلك حتى يصير إلحاق العوارض على الحقيقة ملكة له فيكون حينئذ علمه بما يعرض عليه لتلك الحقيقة علماً مخصوصاً.. وتتشوق نفوس أهل الجيل الناشئ إلى تحصيل ذلك، فيفزعون إلى أهل معرفته ويجيء التعليم من هذا، فقد تبين بذلك أن العلم والتعليم طبيعي في البشر".

وطريق العلم في الإسلام مستمر لا ينتهي، فهو منهاج قبل أن يكون نتيجة مقطوعاً بصوابها وهو تيار متدفق كل موجة فيه تتبعها موجة في حركة تدوم ما دام للعقل نشاطه. وفي هذا الشأن هناك قول منسوب للرسول (عليه الصلاة والسلام) يقول: "لا يزال الرجل عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل".

وبذا فإن طلب العلم "فريضة" على كل مسلم، فتعلم علوم الدين "فرض عين" وعلوم الدنيا "فرض كفاية"، وفق ما رأى الفقهاء، وكلاهما شيء واحد، لأنهما يصبان في النهاية في تحقيق استخلاف الإنسان في الأرض وعبوديته لله تعالى.

والذين نظروا في رؤية الإٍسلام للعلم والمعرفة خلصوا إلى عدة سمات، منها: الشمول، أي طلب علوم الدين والدنيا، والاهتمام بالظاهر والباطن معاً، وربط العلم بالعمل. وفي هذا يرى ابن قدامة المقدسي أن العلم اعتقاد وفعل وترك، أي يقوم على التصديق ثم النظر والاستدلال، فالاعتقاد يجب بحسب الخواطر، والترك بحسب ما يتجدد من أحوال (فمثلاً لا يجب على الأعمى تعلم ما يحرم النظر إليه)، وهو عملي، إذ لا يكون الرجل حكيماً حتى يجمع بين العلم والعمل.

وهنا يضع ابن عبد ربه عدة خطوات تربط العلم بالعمل، حيث رأى في كتابه ذائع الصيت "العقد الفريد" أن المعرفة تبدأ بإدراك الحواس، وتتدرج من هذه البداية الضرورية، بحيث تنتقل من المحسوس إلى التصور الذهني، ومن التصورات الذهنية وما يربط بينها يكون ما نسميه فكراً، والفكر مثيراً للإرادة، وما دامت الإرادة قد أثيرت فلابد من الأخذ بأسباب العمل، والعلم علمان: علم حُمل، وعلم استعمل، ومجرد حمل العلم بغير استعماله أمر لا طائل من ورائه، بل إنه مجلبة للضرر، ولا بد لكي يكون العلم جديراً باسمه هذا أن ينتقل من مرحلة التحصيل إلى مرحلة التطبيق.

ويعلمنا القرآن الكريم أن حمل العلم دون عمل، لا جدوى منه، في الآية الكريمة التي تقول: "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً، بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، والله لا يهدي القوم الظالمين" (الجمعة: 5).

ولا يقتصر العلم في نظر الإسلام على "الوحي" أي الرسالات السماوية، إنما هو أيضاً "علم العقل"، الذي يقوم على التفكير والحدس، وهو في الحالتين علم يبتغي الخير أو تحقيق ما يفيد الناس، وحسب قول الرسول: "علم يُنتفع به".