الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الأحد 21 أبريل 2019 / 18:45

بطاقة حمراء لأردوغان وحزبه

لم يُفق الرئيس التركي أدوغان، وحزب العدالة والتنمية، من صدمة الانتخابات البلدية قبل ثلاثة أسابيع، التي خسر فيها الاثنان بلديات المدن التركية الكبرى. ولأمر كهذا دلالات سياسية، وعاطفية، ورمزية تُفسّر حجم وفداحة وخصوصية الصدمة. فلا شيء يُعوض خسارة إسطنبول وأنقرة، وكلتاهما على رأس المدن التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري المُعارض.

إخفاقاته المتلاحقة في الداخل والخارج على حد سواء، ونزعته الشمولية، تنتقص من الجدارة السياسية والفكرية لمسوّغات كهذه

فالأولى هي العاصمة التاريخية لتركيا العثمانية، ومدينة أردوغان التي شهدت صعود نجمه السياسي، وقد ترأس بلديتها قبل القفز إلى منصب رئيس الوزراء، ومنه إلى منصب رئيس الدولة. ولها مكانة خاصة بقدر ما يتعلق الأمر بالمخيال السياسي العثماني لأردوغان وحزبه، والإسلام السياسي التركي بشكل عام.

أما الثانية فهي العاصمة السياسية للبلاد، ومقر المؤسسات السيادية للدولة، ما يعني أن جانباً كبيراً من بيروقراطية الدولة، وكبار موظفيها، يقيمون فيها، وينبغي أن تكون فيها، نظرياً على الأقل، رافعة انتخابية للحزب الحاكم.

وما يدل على حجم الصدمة وفداحتها، أن حزب العدالة والتنمية لم يكف عن محاولة الطعن في نتائج الانتخابات، وتقديم التماسات لإعادة الاقتراع في إسطنبول. وجرت آخر محاولة، في هذا الشأن، يوم الثلاثاء الماضي، بدعوى أن بعض من أدلوا بأصواتهم لم يكن لهم حق المشاركة فيها.

وبقطع النظر عن المماحكات القانونية، فإن أحداً من مراقبي المشهد التركي لا يستطيع التغاضي عن حقيقة أن نتائج الانتخابات البلدية، الأخيرة، أضاءت في نظر أردوغان وحزبه، أكثر من ضوء أحمر، وأن لها تداعيات راهنة وبعيدة المدى على المستقبل السياسي للاثنين.

فبعد 16 عاماً من الهيمنة على المشهد السياسي في تركيا، يُعبر الناخبون الأتراك عن عدم رضاهم عن الرئيس وحزبه.

والواقع أن عدم الرضا يجد تفسيره في سياسات ومغامرات داخلية وخارجية فاشلة ومُكلفة للأتراك. ولعل هذا كله لم يتضح بصورة كافية إلا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، قبل ثلاثة أعوام، التي أعقبتها موجة اعتقالات وتصفيات شملت عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين، إضافةً إلى التعدي على حرية الرأي، وانتهاك الحريات الفردية والعامة، والتعديلات الدستورية للانتقال من نظام الدولة البرلمانية إلى نظام رئاسي.

كان لكل ما تقدم نتائج سلبية، تماماً، وأسهم في تفاقمها أن حالة الازدهار الاقتصادي، التي عاشتها تركيا، مع صعود أردوغان وحزبه، بدأت فعلاً في الانحسار، وهذا ما تجلى في هبوط العملة التركية، وعجز الميزانية، وتدهور معدّلات النمو، مع ازدياد وتيرة الضخم، ومعدلات البطالة، بطبيعة الحال.

ولا تبدو السياسات الخارجية أفضل حالاً. فبعد سياسة "صفر مشاكل"، التي طرحها أردوغان وحزبه، شعاراً رئيس لسياسة الدولة التركية، وعلاقاتها الخارجية، يبدو أن العكس هو الصحيح، وأن المشاكل هي السمة الغالبة على سلوك تركيا الأردوغانية في الإقليم والعالم.

ولا ضرورة، في الواقع، للدخول في تفاصيل كثيرة. فالمهم أن الأوهام العثمانية، معطوفة على التحالف مع والرهان على جماعة الإخوان المسلمين، المحظورة في عدد من الدول العربية، والإسلام السياسي عموماً، مغامرات لم تُسهم في خلق صورة سلبية لتركيا في الإقليم والعالم وحسب، بل وأسهمت في استنزاف الموارد، وفي تعريض المواطنين الأتراك أنفسهم لخطر الإرهاب، أيضاً.

ومع هذا كله في الذهن، تعود إلى الواجهة وتتجدد أسئلة وتساؤلات قديمة حول النموذج الأردوغاني، ومآلاته المحتملة. فصعود أردوغان والإسلام السياسي في تركيا، عن طريق صناديق الاقتراع، سوّغ للبعض، في تركيا وخارجها، في لحظة ما، الكلام عن إمكانية تعميمه في أماكن أخرى.

ومع ذلك، فإن إخفاقاته المتلاحقة في الداخل والخارج على حد سواء، ونزعته الشمولية، تنتقص من الجدارة السياسية والفكرية لمسوغات كهذه. وهذا، في الواقع، ما يمكن العثور على دلالته المباشرة في خسارته للمدن الكبرى في الانتخابات البلدية الأخيرة.

وبمعنى أكثر مباشرة: المدن الكبرى في تركيا تُشهر الآن بطاقة حمراء في وجه أردوغان وحزبه.