مسلح متشدد (تعبيرية)
مسلح متشدد (تعبيرية)
الأحد 21 أبريل 2019 / 20:15

ما الذي يشترك فيه المتطرفون

طرحت كلية علم النفس التطبيقي في جامعة أمستردام، ورقة بحث مثيرة للاهتمام تتحدث عن أربع مشتركات نفسية تجمع المتطرفين فكرياً، وغني عن القول إن التطرف يعني الابتعاد عن الوسط، والاعتدال، إلى طرفي اليمين أو اليسار.

التاريخ يحدثنا عن أنواع مختلفة من التطرف مثل القومي المتمثل في نازية هتلر؛ الفكري المتمثل في شيوعية ستالين، والعلمي المتمثل في أنصار الداروينية الاجتماعية والتطهير الجيني

ارتبط اسم "المتطرف" بالمتشدد الديني بسبب تصدر أسامة بن لادن مشهد الأحداث في الوقت الراهن، أما التاريخ فيحدثنا عن أنواع مختلفة من التطرف مثل القومي المتمثل في نازية هتلر، الفكري المتمثل في شيوعية ستالين، والعلمي المتمثل في أنصار الداروينية الاجتماعية والتطهير الجيني، وفي كل نوع من هذه الأنواع درجات تتفاوت بين تطرف خفيف، لا يتجاوز ذهن صاحبه، وتطرف شديد يُحول من حام حول المتطرف إلى دم وأشلاء وأيتام وأرامل.

دعونا نستعرض هذه المشتركات الأربعة ونسقطها على واقعنا:

‏المشترك الأول: يعاني المتطرف بشكل عام من ضغوطات نفسية تدفعه إلى دخول عالم التطرف. يخلق المتطرف لنفسه وضعاً نفسياً متميزاً باستخدام المعتقدات التي يؤمن بها، والتي إذا أُسيء استخدامها، ستجعله يشعر دائماً أنه مقصر ومتخاذل ومنتكس ما لم يفعل شيئاً حيال تلك المخالفات التي تحيط به من كل جانب، فيتصبب عرقاً عندما يسمع ألحاناً ودندنةً في الأسواق، ويغلي دمه عندما يسمع جاره يتحدث عن حضوره مسرحية فكاهية، جعل المتطرف كل ما حوله مصدراً للضغوطات النفسية التي تدفعه دفعاً إلى مقاومتها باستخدام الفظاظة والعنف والاندفاعية، حتى يُبرىء ذمته وينام ليلته وهو مرتاح البال، ولو على حساب من شهر بهم أو طعن فيهم.

‏المشترك الثاني: تتسم طريقة تفكير المتطرف بأنها اختزالية ومبسطة للعالم وظواهره الاجتماعية. ترى المتطرف ينظر إلى هذا العالم الشاسع والمختلف في مذاهبه وأديانه وأعراقه على أنه عالم مسلم، وعالم كافر، أو ينظر إلى خريطة العالم ولا يرى فيها إلا أرض إسلام، وأرض جهاد، فإذا ابتلانا الله بأحد منهم وصار رئيساً، فإنه يتعامل بنفس الذهنية البسيطة المُكعبة التي لا تستوعب تعقيد العلاقات السياسية والاقتصادبة والاجتماعية التي تربط الناس ببعضهم بعضاً في العصر الحالي، فلا يستطيع أن يستوعب مثلاً، أن أهل الذمة مواطنون يحملون نفس حقوقه في المواطنة، ولا يمكن تطبيق تلك الأحكام المتعلقة بالزنار، وحلق الرأس، وركوب الحمير عليهم، كما فعل الخليفة المتوكل، ولا يستوعب أن الحروب لا تشتعل بسبب نداء "وامعتصماه" كما كان يحدث في الدولة العباسية، بل هناك دول عظمى، وأمم متحدة ودول جارة، ودول صديقة، ودول محايدة تتحكم في وسائل اتخاذ القرارات العظمى في العالم.

‏المشترك الثالث: يتميز المتطرف بأنه مُفرط الثقة في قراراته وأحكامه. كل حكم يصدره المتطرف قطعي ولا يحتمل الظن، وكل ما يجري على لسانه هو "أجمع" و "بالاتفاق" و "بلا شك" و"قطعاً"، هذه الألفاظ متغلغلة في قراراته الشخصية وغير الشخصية، فتراه صلباً لا يمكن إقناعه بوجود خلاف واختلاف وسياق، بل لا يمانع أن يغرف الناس بيده ويقذف بهم إلى النار دفعةً واحدةً حتى لو اقترفوا صغائر الأمور، أو عملوا شيئاً مختلفاً عليه.

هذا نشاهده مثلاً، عندما يرى المتطرف الناس يبتهجون باحتفالات "حق الليلة"، فيثير ذلك عنده الحكة والحساسية، ويدفعه إلى الجزم والقطع بتحريم ما اختلف أهل العلم فيه، ليس هناك مشكلة في أن تمتنع عن الاحتفال بمناسبة فذلك حقك، لكن المشكلة في تجييش الناس باستخدام الدين في المسائل الخلافية وجعل هذه الفروع أصولاً يُقاتل ويُوالى ويُعادى عليها.

‏المشترك الرابع: لدى المتطرف مستوىً منخفض في تقبّل المجموعات الأخرى. ترى المتطرف مثلاً، يضيق صدره ببناء دار عبادة لغير مذهبه، ولو كان الأمر بيده لزرع الديناميت في الدور الموجودة، ولو كانت درجة تطرفه منخفضة، فإنه سيسمح للجماعات الأخرى بممارسة طقوسها وشعائرها في غرف النوم شريطة أن تكون الأنوار مطفأةً، وأن لا تكون في حي قريب منه.