الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الثلاثاء 23 أبريل 2019 / 09:54

أردوغان رجل بوتين داخل الناتو

كتب المحلل في صحيفة "الجمهورية" الروسية فلاديمير فرولوف أنّه بات بإمكان روسيا تدمير وحدة حلف شمال الأطلسي عبر إزالة دولة أساسية من شبكته العسكرية. وتم ذلك من دون إطلاق رصاصة واحدة أو نشر دبابة واحدة أو من دون مضايقة واحدة على الشبكة العنكبوتية، كما أوضح. ويضاف إلى ذلك أنّ روسيا ستحصل على 2.5 مليار دولار مقابل جهدها ومن دون مواجهة أي عقوبة.

موسكو كانت بارعة في خطوتها عندما استخدمت غياب ثقة أردوغان بواشنطن عبر "إلقاء الطعم إليه وربطه"

كان هذا انتصاراً ما أمكن التفكير به منذ بضع سنوات. وهذا الانتصار هو صفقة أس-400 التي أنجزتها موسكو مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. حاولت الولايات المتحدة وقف الاتفاق منذ وقعت عليه موسكو وأنقرة سنة 2017 عبر الإشارة إلى أنّ هذا النظام لا يتطابق مع أنظمة الناتو الدفاعية الجوية.

شهر العسل قد ينتهي قريباً
دخلت تركيا والولايات المتحدة في شراكة ضمن اتحاد دولي ينتج مقاتلة أف-35 التي تطورها شركة لوكهيد مارتن. من المتوقع أن تحصل أنقرة على أكثر من 100 مقاتلة أف-35 أس بحلول سنة 2023 كاستبدال لمقاتلات أف-16. كذلك، يتم إنشاء مركز صيانة محرك أف-35 في تركيا لخدمة المنطقة الأوروبية.

كانت المشاركة في كامل البرنامج مع الولايات المتحدة ستعود على المجمع الصناعي التركي العسكري ب 12 مليار دولار أي بما يفوق كلفة شراء المقاتلات الجديدة التي ستتراوح بين 9 و 10 مليارات دولار. لقد استثمرت تركيا حتى اليوم 1.25 مليار دولار في مشروع أف-35. بالنسبة إلى واشنطن، خلقت مشاركة أنقرة فيه نظاماً قوياً من النفوذ الأمريكي على سياسة تركيا. لكنّ شهر العسل قد ينتهي قريباً.

ضربة إضافية لاقتصاد مهتز
تهدد الولايات المتحدة اليوم بحظر تركيا من المشاركة في المشروع وبحظر تسليمها المقاتلات الجديدة المقرر أواخر الصيف إذا رفضت التخلي عن صفقة أس-400. وأعلنت واشنطن في الأول من الشهر الحالي أنّها علقت شحن التجهيزات الأساسية إلى تركيا من أجل تشغيل الأف-35 حتى تتراجع أنقرة عن صفقة الصواريخ الروسية.

كذلك، هدد أعضاء في مجلس الشيوخ بفرض عقوبات على تركيا وفقاً لقانون كاتسا مما سيوجه ضربة لاقتصاد تركيا غير المستقر أساساً بما أنه يعاني من سياسات أردوغان. إنّ الدولتين تتوجهان على مسار تصادمي مع إصرارهما على الدفع قدماً بخطواتهما. وفي اجتماع حديث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال أردوغان أنّ تسلم أس-400 قد يتم تسريعه.

أين أخطأ في الحسابات؟
يصر الرئيس التركي على شراء هذه الصواريخ وتحدي واشنطن بسبب ما يشعر به من إهانة شخصية وجهتها الولايات المتحدة إليه، لأنها تجاهلت مصالحه الأمنية في سوريا. تركت واشنطن تركيا وحيدة في مواجهة موسكو فرفضت تقديم المساعدة بعدما هزم التدخل الروسي حلفاءها داخل سوريا. ولم تراع واشنطن اعتراضات تركيا على تسليح السوريين الأكراد فنقلت نفوذهم إلى جزء مهم من الأراضي السورية المجاورة لتركيا. كذلك، لم يساعد امتناع واشنطن عن تسليم الداعية فتح الله غولن أو احتجاز تركيا القس الأمريكي أندرو برانسون حتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في تحسين العلاقات الثنائية.

فكّر أردوغان في أنّه سيجبر واشنطن على أخذ مصالح تركيا بالاعتبار حين يخلق تهديداً للمصالح الأمريكية، كما اعتقد بأنّ عقده هذه الصفقة ستجبر الأمريكيين على القبول بموقف تركيا من النزاع السوري. لكنّ أردوغان أخطأ في الحسابات: رفضت واشنطن إعطاء أنقرة منطقة سيطرة شمال سوريا وربطت شراء الصواريخ الروسية بعقوبات محتملة وبتعليق تسليم المقاتلات الأمريكية.

إلقاء الطعم
يرى فرولوف الذي وصف الرئيس التركي بأنه "رجلنا في الناتو" أنّ موسكو كانت بارعة في خطوتها عندما استخدمت غياب ثقة أردوغان بواشنطن عبر "إلقاء الطعم إليه وربطه". وتابع: "الآن، على روسيا أن تدير البكرة".

كانت رغبة أنقرة في مواجهة الناتو مفاجأة مفرحة للكرملين وضربة في السياسة الخارجية أهم من إنقاذ نظام الأسد. علاوة على ذلك، لم يكن على موسكو أن تقوم بأي شيء جذري، باستثناء صب بعض الزيت على نار غضب أردوغان. وهذا يفسر لماذا التقى بوتين بأردوغان بشكل متكرر. فالنظام التركي يشبه الكرملين بازدياد من حيث التفكير والأسلوب ويبدو مبتعداً عن واشنطن أكثر من أي وقت مضى.

إذا مضى كل شيء وفقاً لما هو مخطط له، ستسقط تركيا بحكم الأمر الواقع من الهيكليات العسكرية الأطلسية وستعتمد باطراد على التعاون العسكري مع روسيا لضمان مصالحها في المنطقة. لكنّ تركيا لن تغادر الناتو بشكل كامل بما أنّ روسيا ترى أنها تقدم مزية أعظم عندما تلعب دور "مثير المشاكل" داخل الحلف. الانفصال عن الناتو من الداخل والخروج ب 2.5 مليار دولار هما "صيد لا يقدر بثمن".