جنازة لبعض ضحايا هجمات سريلانكا.(أرشيف)
جنازة لبعض ضحايا هجمات سريلانكا.(أرشيف)
الأحد 28 أبريل 2019 / 20:19

هجمات سريلانكا والدائرة الجهنمية

ثمة دائرة جهنمية يصعب إنكار وجودها، ولا يمكن التقليل من مخاطرها، كما لا يمكن لأحد، في أي مكان من العالم، النجاة من تداعياتها المباشرة وغير المباشرة

أودت الهجمات الوحشية في سريلانكا بحياة مئات الأبرياء، وجرحت مئات آخرين، في دور للعبادة حوّلها الإرهابيون إلى مصائد للقتل. لا توجد في اللغة صفات تكفي لتصوير هذا القدر من العدمية، والوحشية، والجنون. فالمسوّغات السياسية والأيديولوجية لعمل كهذا لا تبدو أكثر من قشرة رقيقة، ومصطنعة، لشهوة القتل العاري والمجرّد من كل حس إنساني، أو غاية تقبل التأويل بلغة المنطق. وفي هذا المشهد المبلل بالدم ثمة ما يستحق التذكير، وما لا ينبغي أن نكف عن تكراره:

الإرهاب يمكن أن يضرب في أي مكان، والحرب عليه طويلة. وهذه الحرب لا يمكن، ولا يجب، أن تكون شأناً داخلياً يخص هذه الدولة أو تلك، أو هذه المنطقة من العالم أو تلك، فالشرط الأوّل والرئيس للانتصار فيها يتمثل في تضافر الجهود، والتعاون الدولي. ولا مساومة أو إمكانية لحلول وسط مع برابرة ومتوحّشين، وما من نهاية مقبولة ومأمولة سوى القضاء على الوحش، لا بتصفية خلاياه وتجفيف موارده المالية والدعائية وحسب، بل وبتجفيف موارده الأيديولوجية، أيضاً، في معركة طويلة ومفتوحة في أربعة أركان الأرض.

واللافت في هجمات سريلانكا، كما ذكر مدبروها، أنها جاءت رداً على الهجوم الإرهابي على مسجد في نيوزيلندا، في مارس (آذار) الماضي. وبهذا تنفتح دائرة جهنمية من القتل والقتل المضاد. فقد سبق للإرهابي الذي ارتكب المجزرة في نيوزيلندا أن برر عمله الإجرامي بالرد على هجمات وقعت في بلدان أوروبية. ولا فرق، في الواقع، بين الإرهابيين في سريلانكا، والإرهابي في نيوزيلندا، فكلا الطرفين يسعى لإشعال حرب دينية في كل مكان من العالم.

لن تندلع حرب دينية، ولن يشهد العالم صراع حضارات يحرق الأخضر واليابس، ففيه من العقلاء، ومن تقاطع المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية، ما يكفي لتفادي الوقوع في درك كهذا، ناهيك عن حقيقة أن الأعمال الإرهابية لا تحظى بتأييد، أو تعاطف، الغالبية العظمى من بني البشر، بصرف النظر عن قناعاتهم الدينية، وتحيّزاتهم السياسية.

ومع ذلك، ثمة ما لا ينبغي أن يغيب عن الذهن. فلا يمكن، ولا يجب، التقليل من حجم الضرر الذي ألحقه الإرهاب بالعالم، فحتى وقت قريب بدا الحديث عن زوال الحدود بين الدول، وحرية التنقل والسفر، خاصة في أوروبا، تحصيلاً للحاصل، ولكن الإجراءات الوقائية الجديدة، وتشديد الرقابة الداخلية والخارجية على الحدود، لا يوحي بأن ما كان تحصيلاً للحاصل في يوم ما سيظل كذلك، في المدى المنظور والمتوسط على الأقل.

والواقع أن أنظمة الديمقراطية الليبرالية، في الغرب، تجد نفسها اليوم في وضع لا تُحسد عليه، وتواجه تحدياً غير مسبوق على مدار ستة عقود مضت. وبقدر ما يتعلّق الأمر بنتائج الانتخابات البرلمانية في تلك البلدان، والتي حققت فيها الأحزاب والحركات الشعبوية المعادية للعولمة نتائج ملموسة، فإن مستقبل تلك الأنظمة يبدو في الميزان.

وفي السياق نفسه، لم يكن وضع الجاليات العربية والإسلامية، في البلدان الغربية، على نحو خاص، مصدر حساسية اجتماعية وسياسية مُفرطة في تلك البلدان كما هو الآن. وهذه الحساسية، التي تغذيها مشاعر التوجّس والخوف، هي التي يعتاش عليها اليمين القومي والديني المتطرف، وحركاته الشعبوية، وهي عنصرية في الجوهر، في الغرب، ويحاول من خلالها استعادة جدارته السياسية والأيديولوجية التي فقدها بعد الحرب العالمية الثانية.

من السذاجة، بطبيعة الحال، التفكير في احتمال أن تكون هجمات سريلانكا الإرهابية، والهجوم الإرهابي في نيوزيلندا، هي آخر الأحزان. فثمة دائرة جهنمية يصعب إنكار وجودها، ولا يمكن التقليل من مخاطرها، كما لا يمكن لأحد، في أي مكان من العالم، النجاة من تداعياتها المباشرة وغير المباشرة. ومع ذلك، ثمة ما يبرر القول إن هذا النوع من الإرهاب، وبقدر ما يتجلى فيه من العدمية، والوحشية، والجنون، في حالة انحدار لا صعود، فسنوات الذروة أصبحت وراءه، بالتأكيد.