سريلانكيون يضيئون شموعاً خلال صلاة لضحايا الهجمات على الكنائس (أرشيف)
سريلانكيون يضيئون شموعاً خلال صلاة لضحايا الهجمات على الكنائس (أرشيف)
الأربعاء 1 مايو 2019 / 20:06

داعش في سريلانكا

الواضح أن بقايا وزمر وجماعات من داعش لا تزال قائمة، وإن كنا لا نعرف ما إذا كان انتهى حقاً، أو أن تنظيماً مثله لا يمكن أن ينتهي

ليست المرة الأولى التي تصاب فيها سريلانكا بكارثة، لكن الحجم والتدبير والتوقيت هو المفاجأة. سريلانكا التي يقارب عدد سكانها 22 مليوناً تضم 10% مسلمين ونسبة أقل من المسيحيين 7% والباقون يتقاسمهم البوذيون والهندوس بنسب متقاربة. سبقت الانفجار عمليات انتحارية بالعشرات وحربان أهليتان بين الهندوس التاميل والبوذيين وحرب أهلية أخرى بين المسلمين والبوذيين. فهذا البلد الذي يضم واحدة من أهم الفرق البوذية وأغناها طقوساً وأفكاراً، هو أيضاً البلد الذي يعيش من تصدير الشغالات ومن السياحة، والبلد الذي في تعدده وتنوع جماعاته هو دائماً على شفا حرب أهلية.

لكن الكارثة الأخيرة مع ذلك فريدة وضارية. لقد استهدفت هذه المرة المسيحيين والكنائس الثلاث داخل العاصمة كولومبو وعلى أطرافها. المسيحيون يعدون 7% من السكان وهم الذين تكوّنوا بفضل التبشير البرتغالي والهولندي كاثوليكيون في معظمهم. والنتيجة فاجعة، 331 قتيلاً وضعفهم من الجرحى. الجريمة منظمة بالطبع، لقد استهدفت في وقت واحد ثلاث كنائس، وفنادق وحديقة حيوانات "لماذا حديقة الحيوانات"؟ لا بد أنها تجتذب السواح الأجانب. لم يطل الوقت حتى أعلن داعش مسؤوليته وهناك في سريلانكا تنظيم "التوحيد المسلح المرتبط به".

لم يطل الأمر حتى تبنى داعش العملية، وكانت هذه كما أقر داعش ثأراً من مجزرة نيوزيلندا.

كان الجواب سريعاً والحجم أكبر وأشد ضراوة مع قدر أفعل من التنظيم. ما حدث كان خطة منظمة في توقيتها وإمكاناتها. داعش مرة أخرى بعد أن أعلن هزائمه في العراق وفي سوريا.

هذه الهزيمة هي بحد ذاتها ضبابية وغامضة، فالواضح أن بقايا وزمر وجماعات من داعش لا تزال قائمة، فالتنظيم لم ينته، وإن كنا لا نعرف إذا كان انتهى حقاً، أو أن تنظيماً مثله لا يمكن أن ينتهي. إنه يعتمد على مصادر خاصة وغامضة تجعله غير ماثل للاندثار أو قابلاً له. لا نعرف كيف بدأ داعش ومن أين امتلك وبهذه السرعة هذا الزخم وكيف أمكن له، أن ينتشر كشريط كهربائي، ليس فقط في بلدان إسلامية بل وأيضاً في بلدان أوروبية. لا نعرف مدى فعالية هذا التنظيم ولماذا هو ضارب ومتجذر بهذا الشكل وإلى أي حد، علماً بأن التنظيم تكوّن في الخفاء وتكون دفعة واحدة، وبدأ في ليلة وقد استمد من كل الأمكنة، ووجد أجنحة وفروعاً ومصادر في وقت يكاد يكون موجزاً، بل ويكاد يكون خاطفاً.

داعش المهزوم والزائل والمطرود إلى الصحراء ليس محشوراً بهزيمته، بل هو يكاد لا يعترف بها ولا يسمّيها إنها تتتابع حيث انهزمت هجماته، ثم تملك، ولا نعرف كيف، القدرة على التخطيط للضرب الناري، في سريلانكا يكاد بضربة واحدة وفي الوقت نفسه يحقق كارثة دموية. لقد كان هذا ثأراً من حادث نيوزيلندا، ثأراً يزيده بستة أضعاف. لا نعرف كيف يمكن إنشاء جيش إرهابي، وكيف يمكن تحويل إرهاب الى جاذب بهذه القوة. بل لا نعرف كيف يمكن أن يتحول الانتحار الى دافع قوي. اشترك أخوان في عملية سريلانكا الانتحارية.

لقد تحوّل الانتحار الى لعبة جامعة. يمكن أن نبحث في كل ذلك عن دين انتحاري. لا ننسى الرهبان البوذيين الذين احرقوا أنفسهم احتجاجاً والطائرات الانتحارية اليابانية "كاميكاز" لكن الانتحار هكذا كان وجهاً للاعتراض واحتجاجاً، أما الآن فهو مجرد عملية قتل فاحشة. إنها مقابلة منتحر واحد بمئات الضحايا، إنها حرب توحش بالانتحار. مع ذلك يبقى السؤال من أين يستمد داعش مقاتليه، ومن أين يأتي هذا العزم على الانتحار؟