جاريد كوشنر مستشار الرئبس الأمريكي ومهندس صفقة القرن (أرشيف)
جاريد كوشنر مستشار الرئبس الأمريكي ومهندس صفقة القرن (أرشيف)
الإثنين 6 مايو 2019 / 20:48

الفلسطينيون إذ يعودون إلى المربع الأول

تقارير كثيرة ترصد المستجدات في مواقف الفصائل الفلسطينية وحلقات الحكم في الضفة وغزة، واستطلاعات كثيرة ترصد مواقف الشارع الفلسطيني من المبادرات والتسويات المطروحة والصفقة التي ستطرح، لكن لا أحد يطرح أي سؤال من خارج صندوق المعروض، أو يحاول تبين حقيقة المزاج الشعبي المكبوت في جغرافيا الانقسام في الوطن وعلى امتداد مساحة الشتات في العالم.

ما هو أهم من هذه المواجهة هو النزوع نحو العودة إلى المربع الأول والتمسك بحق الحياة في كل فلسطين وليس في خمسها فقط

يسألون الفلسطيني عن رأيه في صفقة القرن، مثلما سألوه قبل سنين عن رأيه في ما سمي مبادرة السلام العربية، أو اتفاق أوسلو، وغيره من الصيغ التي لا يطبق منها إلا ما تقبله إسرائيل، وينسجم مع رؤى الاحتلال.

لم يسألوا الفلسطيني ولا مرة عن رأيه في ما هو قادم بعد انتهاء اتفاق أوسلو، وموت مبادرة السلام العربية، وخيبة الأمريكان القادمة في صفقة قرنهم.

السؤال ليس صعباً، وكذلك الإجابة عليه، فالرد الجاهز دائماً يتلخص في كلمتين "نحن هنا" ويمكن أن يضاف إليهما كلمتان أخريان "لن نرحل".

قد تبدو هذه الكلمات بسيطة بل ساذجة بالنسبة لمن تعودوا على سماع الخطاب التحليلي للنخب العاجزة التي لا تجيد شيئا غير الكلام. لكنها، في كل الأحوال، كلمات تعبر عن موقف حقيقي يستحيل معه تمرير أي حل غير مقبول شعبياً، وكل الحلول المطروحة حتى الآن غير مقبولة في شارع يعي تماماً قدرته على الإرباك، وخلط الأوراق وصياغة واقع مختلف.

ما ينبغي الانتباه إليه أيضاً أنه وفي ظل تحول الموقف الأمريكي من الاحتضان والرعاية للاحتلال إلى الشراكة الكاملة مع اليمين الإسرائيلي الحاكم في ترسيخ الاحتلال وتوسيع نطاقه، يبدو الحديث عن حل الدولتين نوعاً من الخيال بعيد التحقق، ولم يعد ممكناً الرهان على موقف دولي ضاغط وفاعل وقادر على فرض هذا الحل بعد قرابة عقدين من طرحه والفشل في تحقيقه.

ما هو البديل إذن؟
تعلم الفلسطينيون ألا يذهبوا إلى البدائل إلا في مواقيتها، ولم يحن بعد موعد المجاهرة بالبديل، لكنه يقترب وسيكون ضرورياً بعد طرح إدارة دونالد ترامب لصفقتها التي لا تعبر عن شيء بقدر تعبيرها عن الشراكة الأمريكية في المشروع الإسرائيلي في المنطقة.

بعد إعلان الصفقة سيعلن الفلسطينيون رفضها بالمطلق، ولن تجد الإدارة الأمريكية فلسطينياً واحداً يقبل التورط في قبولها، باستثناء حفنة من المخاتير من بقايا روابط القرى، وربما قلة من المغامرين من أصحاب الهوى الأمريكي.

لكن الرفض الفلسطيني لا يعني توقف الولايات المتحدة عن تنفيذ مشروعها الشرق أوسطي، وستمضي في اتخاذ إجراءات سياسية أحادية، وأخرى ميدانية مشتركة مع إسرائيل، وسيواجه الفلسطينيون هذه الإجراءات بكل ما لديهم من وسائل متاحة أو مبتكرة.

لكن ما هو أهم من هذه المواجهة هو النزوع نحو العودة إلى المربع الأول، والتمسك بحق الحياة في كل فلسطين، وليس في خمسها فقط، وهم يدركون تماماً استحالة طرد الغزاة الغرباء من الأرض، ما يعني نضالاً من نوع مختلف وشعاراً يختلف عما سبقه من شعارات التحرير والسلام.

سيتخلق في مرحلة ما بعد الصفقة الأمريكية برنامج وطني مختلف، يتجاوز الفصائل وأطروحاتها مثلما يتجاوز المبادرات والاتفاقات والحلول التقليدية، وسيقوم هذا البرنامج على أساس "نحن هنا ولن نرحل".

يعني ذلك عملياً طرح مشروع الدولة الواحدة التي يسميها البعض "ثنائية القومية" وهي ليست كذلك بل هي دولة متعددة القوميات لأن الإسرائيليين ينتمون عرقياً إلى خليط من القوميات غير المتجانسة حضارياً.

ما جدوى طرح هذا المشروع في ظل الرفض الإسرائيلي؟

سؤال منطقي، لكن المنطق يقول أيضاً: "جربنا المشاريع الأخرى وثبت فشلها بالجملة والمفرق، فلماذا لا نجرب هذا المشروع ونستفيد من تجارب عصرية أنتجت حلولاً قابلة للتطبيق والاستمرار، مثلما حدث في جنوب إفريقيا، وروديسيا السابقة؟".

المربع الأول أكثر رحابة واتساعاً... وكرامة.