الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.(أرشيف)
الخميس 9 مايو 2019 / 10:34

يد أردوغان الطويلة في أوروبا تقلق الحكومات

حذر الكاتب لورينزو فيدينو، في مقال بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، من شبكة التجسس الواسعة التي أسسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتديرها السفارات التركية لتعزيز نفوذه في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي والروابط الوثيقة مع شبكات جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي يقوض الجهود الأوروبية لدمج الشتات التركي.

مواجهة هذه الحملة تمثل تحدياً؛ لأنها منظمة من قبل دولة قوية تتمتع بصلات تجارية وسياسية وأمنية عميقة مع معظم الدول الأوروبية

ويشير الكاتب، وهو مدير برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن ومؤلف كتاب "الإخوان المسلمون الجدد في الغرب"، إلى أنه في السنوات الأخيرة باتت العلاقات مع تركيا صداعاً مزمناً بالنسبة لمعظم الحكومات الأوروبية، وقد ولت منذ وقت طويل الأيام التي كان المراقبون الأوروبيون يعتبرون فيها أردوغان وحزبه العدالة والتنمية نموذجاً للديمقراطية الحقيقية.

تصريحات استفزازية

وترفض الحكومات الأوروبية بانتظام السياسية الخارجية والداخلية لتركيا إزاء العديد من القضايا بما في ذلك تعامل أنقرة مع داعش وأزمة الهجرة والمعاملة التعسفية للصحفيين والمعارضين السياسيين والأقليات، ولكن الحكومات الأوروبية تفاجأت أيضاً بالخطاب العدواني لحزب العدالة والتنمية الحاكم تجاه زعماء الاتحاد الأوروبي، ومحاولات أردوغان الجريئة لممارسة النفوذ على الشتات التركي والمجتمعات الإسلامية والأوروبية بشكل أوسع.

ويصف الكاتب موجة التصريحات "الاستفزازية" من قبل كبار مسؤولي السياسية التركية، التي تناولتها بكثافة وسائل الإعلام الحكومية التركية الموالية لأردوغان، بأنها مثيرة للقلق؛ إذ ينتهز كبار السياسيين الأتراك بانتظام أي جدل لاتهام أوروبا بالإسلاموفوبيا، إلى جانب حض الأتراك وغيرهم من المسلمين الذين يعيشون في أوروبا على رفض القيم الغربية.
  
أجندة تركيا في أوروبا
ويرى الكاتب أن نهج تركيا الجديد يتجاوز الخطاب العدواني، وبخاصة لأنه على مدار العقد الماضي استثمرت أنقرة مبالغ كبيرة في نمو منظمات حكومية وغير حكومية لتعزيز أجندتها السياسية في جميع أنحاء أوروبا. وبينما تسعى معظم أنشطة تلك المنظمات إلى بناء النفوذ من خلال الضغط واستقطاب النشطاء والتعليم، فإن لدى بعض هذه المنظمات أهدافاً أخرى أكثر خطورة، وبالفعل تكشف الأجهزة الأمنية في مختلف الدول الأوروبية باستمرار عن زيادة هائلة في أنشطة وكالات الاستخبارات التركية على أراضيها.

ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو(تموز) 2016، تم توسيع نطاق عمليات الاستخبارات لتشمل المراقبة العدوانية والاستهداف المباشر لخطف أنصار رجل الدين المنفي فتح الله غولن الذي يتهمه أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب الأخيرة ضده، إلى جانب الأكراد والعلمانيين وغيرهم من النشطاء المعارضين لحزب العدالة والتنمية الذين يعيشون في أوروبا. وعلاوة على ذلك، اتُهمت تركيا بإساءة استخدام نظام "الإشعار الأحمر" الخاص بالإنتربول من خلال إضافة أسماء مجموعة واسعة من معارضي نظام أردوغان في قاعدة بيانات المنظمة، بما في ذلك لاعب كرة السلة إينيس كانتر.

شبكة تجسس
وبحسب الكاتب، كشفت وثائق داخلية للحكومة التركية مُسربة تم الإعلان عنها في عام 2017 من قبل السياسي النمساوي البارز بيتر بيلز، عن أن أردوغان قد أسس شبكة تجسس واسعة من اليابان إلى هولندا، ومن كينيا إلى المملكة المتحدة، وفي كل دولة يتم استخدام شبكة التجسس الضخمة التي تتكون من جمعيات ونواد ومساجد عبر السفارة التركية وضباط المخابرات المحليين من أجل التجسس على معارضيه على مدار الساعة. وتتحدث السلطات في العديد من الدول الأوروبية، سواء سراً أو علناً، عن شبكات مماثلة، واكتشفت أيضاً العديد من المؤامرات لاختطاف معارضي أردوغان على أراضيها.

أنشطة مشبوهة
ويلفت بيلز إلى أن أنشطة الحكومة التركية على الأراضي الأوروبية، التي تهدف غالبيتها إلى التجسس أو ممارسة النفوذ، تُنفذ بقيادة السفارات التركية التي تعمل تحت الحصانة الدبلوماسية، وهذه السفارات تشرف على شبكة واسعة من الكيانات غير الحكومية التي تتراوح ما بين المنظمات الدينية إلى الشركات الخاصة.

وتُعد منظمة "ميلي غوروس" أبرز هذه الكيانات وتأسست في أواخر الستينيات من قبل نجم الدين أربكان، المرشد السياسي لأردوغان، وهي منظمة إسلامية لديها حركة قومية قوية وتتبنى العديد من مواقف جماعة الإخوان المسلمين وأهدافها وتكتيكاتها ولكنها تضيف إليها الطابع العثماني الجديد، وهو ما يزيد من خطورتها. وتعمل هذه الحركة منذ فترة طويلة في أوروبا ولديها قرابة 300 ألف عضو وتسيطر على مئات المساجد وخاصة في ألمانيا.

ويشير مقال "فورين بوليسي" إلى أن السلطات في جميع أنحاء أوروبا تعرب باستمرار عن قلقها إزاء "ميلي غوروس". وعلى سبيل المثال ترى أجهزة الأمن الفيدرالية في ألمانيا أن أهداف "ميلي غوروس" مثيرة للقلق وتمثل تهديداً مباشراً لجهود الحكومة الألمانية لدمج المهاجرين والوافدين حديثاً والألمان من أصل تركي.

النفوذ على الشتات التركي

ويعتبر الكاتب أن دعم نظام أردوغان لمنظمة "ميلي غوروس" ليس مفاجئاً؛ إذ يعكس سياسة تنتهجها أنقرة منذ فترة طويلة. فمن الناحية التاريخية، كانت تركيا الداعم الرئيسي للمنظمات الإسلامية التي تعمل في مختلف الدول الغربية حيث الشتات التركي. ومع صعود أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى السلطة، سعى النظام التركي الحاكم إلى الاستحواذ على النفوذ في الشتات التركي، وإقناع أكبر شريحة ممكنة من السكان الأتراك في أوروبا بالتصويت لصالح حزب العدالة والتنمية، وقد نجحت هذه الاستراتيجية إلى حد كبير في تحقيق توازن النتيجة النهاية للتصويت الوطني.

ويحذر الكاتب من أنه في الآونة الأخيرة، تجاوزت محاولات حزب أردوغان ممارسة النفوذ على المجتمعات المسلمة الأوروبية من خلال الاستيلاء على منظمات الشتات التركية وامتدت لتشكيل شراكة وثيقة مع المنظمات الإسلامية الأوروبية والأفراد الذين لهم روابط بجماعة الإخوان المسلمين.

دعم أردوغان للإخوان  
ونتيجة لذلك، بدأت الحكومة التركية أو المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المالية ذات الصلة بحزب العدالة والتنمية التركي في توفير الدعم المتزايد للشبكات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين التي تعمل بدورها على الترويج لحكومة حزب العدالة والتنمية، وبخاصة في البلدان ذات الجاليات التركية الكبيرة مثل ألمانيا والنمسا وهولندا.

ويرى الكاتب أن الشبكات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين التركية مرتبطة ببعضها البعض من خلال الانتماءات الإيديولوجية الأساسية، وقد ترسخت هذه العلاقة منذ الثورات العربية والإطاحة بمحمد مرسي الذي كان يقود حكومة الإخوان المسلمين في مصر، وعمدت فروع تنظيم الإخوان من جميع أنحاء العالم العربي إلى تأسيس أعمال تجارية لها في اسطنبول حيث تتلقى الدعم السياسي والمالي من أنقرة، ويدير أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أعمالهم ومحطاتهم الفضائية من تركيا بحرية.

ويقول الكاتب: "مع ازدهار اقتصاد تركيا، استثمر أردوغان في الدبلوماسية الدولية والمساعدات الإنسانية لزيادة نفوذه، سواء في البلدان ذات الأغلبية المسلمة أو في الدول الغربية ذات الأقليات المسلمة المهمة. وفي سعيه إلى أن يصبح زعيماً بلا منازع للعالم الإسلامي، يستفيد أردوغان من المنظمات الدينية للدولة التركية الخاضعة لسيطرة حزبه، والجماعات الإسلامية التركية مثل (ميلي غوروس) والمنظمات ذات المصالح المشتركة والآفاق السياسية مثل جماعة الإخوان المسلمين وفروعها في الغرب".
 
 "القوة الناعمة" لتركيا

ويضيف الكاتب أن الأوروبيين يشعرون بالقلق المتزايد إزاء تداعيات عمليات النفوذ التركي داخل أراضيهم، لاسيما العلاقات التركية الوثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين التي تشكل القوة الناعمة لتركيا، على حد وصف ياسين أكتاي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية السابق والمستشار الحالي لأردوغان.

ويختم مقال "فورين بوليسي" بأن مواجهة هذه الحملة تمثل تحدياً؛ لأنها منظمة من قبل دولة قوية تتمتع بصلات تجارية وسياسية وأمنية عميقة مع معظم الدول الأوروبية. وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من هذه الجهود يتم بصورة قانونية، إلا أنه من الواضح بشكل متزايد أن السفارات والمنظمات الدينية والشركات التركية التي تعمل بالتنسيق مع شبكة واسعة نسبياً من الكيانات المرتبطة بالإخوان المسلمين تسعى إلى ترويج توجهات داخل المجتمعات الإسلامية تتصادم في واقع الأمر مع مصالح الحكومات الأوروبية.