جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي وصهره (أرشيف)
جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي وصهره (أرشيف)
الخميس 9 مايو 2019 / 20:58

البحث عن "راحاب"

يطلق جاريد كوشنر تصريحات غامضة بين وقت وآخر، يلقي إشارات حمالة أوجه وهو يمشي حول "صفقة حميه"، تمريرات قصيرة عشوائية في ملعب فارغ من الفريق المقابل، لم يصل لاعبو الخصم ولا يبدو أنهم سيصلون، فقط غرينبلات يركض في الملعب الفارغ وهو يراوغ أشباحاً اكتشفها للتو، نتانياهو هناك أيضاً يلتقط الإشارات ويضع لها هوامش.

في الوثيقة التي سيجري التشكيك بها، أطلق على ما سيبقى من الضفة الغربية وقطاع غزة اسم "فلسطين الجديدة"، وفيها جسر معلّق بينهما وحدود مفتوحة مع "إسرائيل" وفرص عمل

يضع كوشنر مواعيد الإعلان عن "الصفقة" لا تواريخ محددة، تواريخ عامة مثل، نهاية العام، وبداية 2019، وبعد الانتخابات الإسرائيلية، وبعد شهر رمضان، يضع المواعيد ويؤجلها، يحفر في مناسبات المنطقة بحثاً عن وقت مثالي، وقت يمكن أن يمنح "الخطة" محركاً لتقلع دون أن تتحطم.

هذا أيضاً، "الوقت المثالي"، يبدو زمناً متحركاً يصعب تحديده أو وضع إطار يمكن حصاره فيه، لا يوجد "وقت مثالي" في الشرق الأوسط، هذا ما لم يكتشفه "كوشنر" بعد.

وسائل أعداد "الوقت" لا يبدو أنها تعمل هنا، المقصود بالوسائل، تفكيك المنطقة وإغراقها بالصراعات، عمودية وأفقية، صراعات يتداخل فيها كل شيء، من التفتيت الطائفي إلى تلاشي "الدولة الوطنية"، إلى "الإسلام السياسي" وأفراخه من نوع داعش، والنصرة، والقاعدة، الى البدائل التي يقترحها العسكر...
فلسطينياً حيث مركز "الخطة" ونواتها العمل على تأبيد الانقسام عبر تغذية حماس بالمال القطري المراقب إسرائيلياً، وبالمقدار الذي يسمح لها بالبقاء، ويسمح لأهل قطاع غزة بالتنفس لا أكثر ولا أقل، مواصلة الحصار والسير على حافة المجاعة بحيث يبدو أي اقتراح وأي خطة توفر الخبز وإمكانية العمل للحركة عملية إنقاذ، تجفيف الدعم لمنظمة التحرير وتعزيز "اليأس" عبر هجمات المستوطنين المسلحة وجيش الاحتلال في الضفة الغربية، وسيطرة اليمين الفاشي، وإسناد هذه الفاشية المنفلتة بدعم مطلق من جوقة البيت الأبيض، كل هذه العوامل وغيرها التي ستترك الانطباع بأن "الأمر سيحدث دونكم وأنكم وحدكم بلا أخوة ولا مستقبل".

هكذا يجري "إعداد الوقت" في المنطقة لفرض "صفقة عائلة ترامب"، الصفقة التي ستمنح العائلة أربع سنوات جديدة في البيت الأبيض وستنقذها من المساءلة والملاحقات القانونية، ولكن الوقت لا ينضج في الشرق الأوسط، هناك دائماً ما يشي بخلل في العربة، "التجربة الأمريكية" تفتقر لفهم المكونات وقوة العناصر ونسبها وتأثيرها.

الأسبوع الماضي تم تسريب وثيقة تحمل بنوداً وأفكاراً حول "الصفقة"، في الوثيقة التي سيجري التشكيك فيها، أطلق على ما سيبقى من الضفة الغربية وقطاع غزة اسم "فلسطين الجديدة"، وفيها جسر معلّق بينهما، وحدود مفتوحة مع "إسرائيل" وفرص عمل... وتهديد لا لبس فيه للفلسطينيين في حالة عدم موافقتهم بالتصفية السياسية، والجسدية.

واضح أن المقصود من الوثيقة المسربة عبر الصحافة الإسرائيلية، هو قراءة ردود الأفعال وقياسها وإجراء بعض التعديلات، اللغوية غالباً، عليها والبحث عن "راحاب" معاصرة يمكن أن تسهل المرور عبر الأسوار.

في نفس الوقت سيكون من السهل نفيها من قبل المسربين أنفسهم، ولكنها، دون شك، تحمل روح الفكرة التي ألهمت "كوشنر" والقائمة على برنامج "ليكود نتانياهو".

يعرف صانعو الخطة أن رفض الفلسطينيين لخطتهم هو مقتلها، وأن هذا الرفض، الحاسم والواضح حتى الآن، سيفككها إلى مجموعة مشاريع لا قيمة ولا معنى لها، وأن الطريق الالتفافي الذي يشقونه منذ وقت عبر غزة لن يمنحهم أي شرعية.

الأهم أن يعرف الفلسطينيون ذلك.