أعلام على مبانٍ مدمرة في سوريا (أرشيف)
أعلام على مبانٍ مدمرة في سوريا (أرشيف)
الجمعة 10 مايو 2019 / 13:13

لهذه الأسباب أوروبا لن تشارك في إعمار سوريا

رأى أوجينيو دكريما، الباحث في معهد الدراسات السياسية الدولية بميلانو، أنه على الرغم من احتمال حدوث بعض التطبيع السياسي بين بعض الدول الأوروبية ودمشق في المستقبل القريب، إلا أن ثمة عوامل قوية لاتزال تمنع الاتحاد الأوروبي من المساهمة في إعادة إعمار سوريا.

يهدف النظام السوري إلى مواصلة التغيير الديموغرافي للمجتمع السوري والدولة السورية بحيث تتحول إلى كيانات أصغر وأكثر مرونة حتى يتمكن من إدارتها

ويشير الباحث، في مقال نشره موقع مجلس "أتلانتيك"، إلى الخلافات المتزايدة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا منذ خريف عام 2018، ولكن يظل الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي هو عدم المشاركة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد لحين تحقيق "عملية سياسية شاملة بقيادة سورية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري" وفق قرار الأمم المتحدة رقم 2254.

سياسة الاتحاد الأوروبي
ومع ذلك، فإن بعض الحكومات الأوروبية لم تلتزم بهذا الموقف الرسمي وبدأت تتعامل مع الحكومة السورية، ولكن يرى الباحث أنه رغم احتمال حدوث بعض التطبيع السياسي، إلى حد ما، بين عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودمشق في المستقبل القريب، إلا أن ثمة عوامل قوية لاتزال تمنع أي مساهمة أوروبية كبيرة في إعادة إعمار سوريا.

ويلفت الباحث إلى أن بولندا أرسلت نائب وزير خارجيتها في زيارة رسمية إلى سوريا خلال شهر أغسطس(آب) الماضي، كما صرح وزير الخارجية الإيطالي في يناير(كانون الثاني) الماضي بأن حكومته تدرس إعادة فتح السفارة الإيطالية في دمشق. وفي تناقض صارخ مع سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا، حافظت الجمهورية التشيكية على علاقات دبلوماسية مستمرة مع نظام الأسد طوال الصراع ولم تغلق سفارتها في دمشق.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، استمر الجدل حول الدور المستقبلي للاتحاد الأوروبي في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب، وبدأت بعض الأصوات تنتقد علانية استراتيجية الاتحاد الأوروبي بأكملها المتمثلة في "الحرب الاقتصادية" ضد النظام السوري، بينما شكك آخرون في فعالية وشرعية بعض عقوبات الاتحاد الأوروبي، وتحديداً العقوبات التي تقوض تدفق السلع الأساسية والمساعدات الإنسانية إلى سوريا.
  
العقوبات الاقتصادية
ويوضح الباحث أن الكلفة التقديرية لإعادة إعمار البنية التحية والاقتصاد للوصول إلى أوضاع ما قبل الحرب تتراوح ما بين 200 و400 مليار دولار. ومن أجل إحداث أي تأثير إيجابي على مستقبل البلاد، يتعين على العديد من المانحين المساهمة بعشرات، إن لم يكن مئات، المليارات من الدولارات على مدار فترة تتراوح ما بين الخمس والعشر سنوات المقبلة. ولكن من غير المحتمل أن تكون الدول الأوروبية من بين هؤلاء المانحين، على الأقل في المستقبل القريب بسبب أربعة عوامل رئيسية، بحسب الباحث.

ويتمثل العامل الأول في مسألة العقوبات الاقتصادية؛ حيث أن كيانات الاتحاد الأوروبي لن تتمكن من المشاركة في عملية إعادة الإعمار طالما أن العقوبات الأوروبية لاتزال قائمة، ومؤخراً تزايد عدد الأفراد الذين تمت معاقبتهم من قبل الاتحاد الأوروبي في شهر يناير(كانون الثاني) الماضي.

وحتى مع مجادلة الكثيرين بأن العقوبات تزيد من معاناة الشعب السوري وأنها على الأرجح لن تحقق هدفها المعلن، وهو إجبار انتقال السلطة ونهاية حكم الأسد، من المستبعد أن يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفاً جديداً في الأسابيع القليلة المقبلة خلال التجديد السنوي للعقوبات المقررة في بداية شهر يونيو(حزيران) المقبل، وذلك بحسب تصريحات دبلوماسي أوروبي رفض الكشف عن هويته، والذي يرجح تجديد العقوبات وتأجيل أي نقاش حقيقي حتى عام 2020 للتحقق من جدوى تغيير السياسة وخاصة من خلال الحوار مع موسكو.

لا حروب دبلوماسية من أجل الأسد

ويضيف الباحث أنه حتى إذا تمت إزالة عقوبات الاتحاد الأوروبي، فإن الكيانات الأوروبية العاملة في سوريا ستظل خاضعة للعقوبات الأمريكية والتي من غير المحتمل أن يتم إزالتها في أي وقت قريب، بل على العكس ، ربما يتم تكثيفها، الأمر الذي سيقوض مشاركة الشركات الأوروبية الكبرى في مشاريع إعادة الإعمار في حال إلغاء العقوبات الأوروبية بالكامل.
ويوضح الباحث أن العامل الثاني يتمثل في أنه من المستبعد أن يخوض أي من الحكومات الأوروبية حرباً دبلوماسية من أجل الأسد رغم تزايد المتعاطفين مع النظام السوري، وبخاصة لأن دول مثل بولندا وإيطاليا التي أظهرت دعماً للتطبيع السياسي ليست الأكثر استقراراً من الناحية المالية ولا حتى الأكثر تأثيراً من الناحية السياسية داخل الاتحاد الأوروبي.

وربما تتردد روما، على الأمد القصير، في دفع الثمن السياسي لتحدي الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي بشأن سوريا، وقد انخرطت في نهاية عام 2018 في مفاوضات مكثفة لاعتماد موازناتها من قبل المفوضية الأوروبية. ومن المتوقع عقد جولة جديدة من المفاوضات بنهاية العام الجاري؛ حيث أن معظم الأهداف المطلوبة من الاتحاد الأوروبي للموازنة لن تتحقق على الأرجح، ومن ثم فإن روما لن تفتح جبهة مواجهة أخرى مع بروكسل بشأن سوريا. وعلى العكس من ذلك، ربما تتفاوض إيطاليا على موقفها من العقوبات المفروضة على سوريا وكذلك روسيا في مقابل الحصول على موقف أكثر ليونة بشأن عجز ميزانيتها.

تراجع قضية عودة اللاجئين
أما العامل الثالث، برأي الباحث، فهو فقدان قضية عودة اللاجئين لقوتها، لاسيما أنها كانت الدافع الرئيسي لحض الاتحاد الأوروبي على إعادة إعمار سوريا. وعلى مدار العامين الماضيين استمر الدبلوماسيون الروس في التأكيد على أن تشجيع اللاجئين السوريين في أوروبا على العودة لوطنهم يستلزم قيام الاتحاد الأوروبي بدفع تكاليف إعادة الإعمار. وعلى الرغم من أن قضايا الهجرة تُعد موضوعاً رئيسياً في السياسة الأوروبية اليوم، إلا أن القضية الخاصة باللاجئين السوريين باتت غائبة عن النقاشات الداخلية، حتى في البلدان التي تشكل فيها الهجرة موضوعاً رئيسياً مثل إيطاليا وفرنسا.

ويلاحظ الباحث أن الاستثناء كان في ألمانيا؛ حيث كان اللاجئون السوريون موضوعاً أساسيا في الحملة الانتخابية للعام 2018، ولكن على مدار العام الماضي فإن التوازن الجديد للسياسة الألمانية (نتيجة نمو حزب الخضر الصديق للاجئين بوتيرة أسرع من القومية الفرنسية المناهضة للهجرة) يشير إلى تضاؤل أهمية اللاجئين السوريين في النقاش الداخلي.

حسابات نظام الأسد

ويضيف الباحث أن العامل الرابع يتمثل في أن نظام الأسد لا يبدو متحمساً تماماً لأن تلعب أوروبا دوراً رئيسياً في سوريا بعد الحرب. والواقع أن دمشق صريحة للغاية فيما يتعلق بإلغاء العقوبات، ولكن موسكو هي التي تضغط على الاتحاد الأوروبي للمساهمة في إعادة الإعمار بشكل مباشر، وقال الأسد بوضوح إنه لا يريد أن يشارك الغرب في إعادة الإعمار.

ويعتبر الباحث أن موقف الأسد لا يبدو منطقياً بالنظر إلى المتطلبات المالية الضخمة اللازمة لإعادة الإعمار واستحالة الحصول على دعم كبير من حلفائه. ولكن نظام الأسد لا يعتزم إعادة سوريا إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وبدلاً من ذلك يهدف إلى مواصلة التغيير الديموغرافي للمجتمع السوري والدولة السورية بحيث تتحول إلى كيانات أصغر وأكثر مرونة حتى يتمكن من إدارتها، الأمر الذي ينعكس في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية خلال العام الماضي والتي استهدفت مصادرة أملاك اللاجئين في الخارج وإجبارهم على الخضوع لعمليات فحص معقدة من أجل السماح لهم بالعودة.
ويعتقد الباحث أنه لايزال بإمكان الحكومات والمؤسسات الأوروبية أن تلعب دوراً إيجابياً في مستقبل سوريا من خلال إعادة تقييم الشروط المفروضة لعقوبات الاتحاد الأوروبي في ضوء الوضع الحالي للحرب. ويمكن ربط إزالة العقوبات بأهداف أكثر واقعية بدلاً من نهاية حكم الأسد، مثل إنشاء رقابة دولية على سجون النظام وتوفير الأمن لملايين اللاجئين السوريين الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.

ويختتم الباحث بأن النقاش لايزال مفتوحاً حول هذه القضية التي ربما تشهد تغييراً في استراتيجية الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر القادمة، ولكن على الرغم من أن بعض خطوات التطبيع السياسي مع نظام الأسد وتخفيف عقوبات الاتحاد الأوروبي تُعد تطورات متوسطة الأمد يمكن تصور حدوثها، إلا أنه من غير المحتمل أن يتم إنفاق مبالغ باهظة من الأموال الأوروبية لإعادة إعمار سوريا في المستقبل القريب.