الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزوجته أمينة.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزوجته أمينة.(أرشيف)
الجمعة 10 مايو 2019 / 20:25

لام لحية حاء حجاب

في كتاب لتعليم اللغة الألمانية لطلبة المرحلة الإعدادية، لاحظ القرّاء أن صور النساء المجلوبة من معارض الصور الانترنتية الشهيرة – مثل موقع "شتر ستوك"-، تم تعديلها لاحقاً باستخدام تطبيق "فوتوشوب" لتحويل النساء فيها من سافرات إلى محجبات

لم أستوعب يوماً الصبر اللامتناهي والقبول اللامحدود الذي يبديه المتأسلمون العرب لتركيا الأردوغانية، وهم الذين اعتدنا أن ينتفضوا بيننا كالعصافير الذبيحة، وينعبوا كالغراب الغاضبة، إذا شهدوا أصغر مخالفة شرعية محتملة في إحدى دولنا المعروفة أصلاً بتدين مجتمعاتها ومحافظتها.

فمن المفترض بتركيا -بعلمانيتها الراسخة، وقوانينها التي تجيز المثلية الجنسية، وحظرها للتعدد، ومساواتها التامة بين الجنسين في الطلاق والميراث- أن تبدو كالدرك الأسفل من النار وفقاً لتعريف هؤلاء، وأن يدعوا عليها بالويل والثبور من منابرهم. إلا أنهم يهيمون بحب "النسخة الوسطية البديعة" التي تنتهجها من الإسلام، والتي تتحوّل بقدرة قادر إلى فحشاء ومنكر إذا ما حاولنا نقلها جنوب الحدود التركية.

ولكني ربما اقربت من فهم الرهان طويل الأمد الذي يضعه هؤلاء المتأسلمون بكل ثقة على خليفتهم أردوغان، مرفقا بـ "بطيخة صيفية" في بطونهم.
فقد فضح بعض الأتراك المتيقظين –ومن بينهم الناشطات النسويات التركيات- باركهن الرب- مؤخراً قيام كتب المناهج المدرسية في البلاد بالتلاعب بصور النساء.

بالتحديد، في كتاب لتعليم اللغة الألمانية لطلبة المرحلة الإعدادية، لاحظ القرّاء أن صور النساء المجلوبة من معارض الصور الانترنتية الشهيرة – مثل موقع "شتر ستوك"-، تم تعديلها لاحقاً باستخدام تطبيق "فوتوشوب" لتحويل النساء فيها من سافرات إلى محجبات، أو حتى بطمس صورة إحدى العارضات السافرات تماماً، واستبدالها بأخرى محجبة!

أعلم أن الأمر مدعاة للسخرية، ولكن قبل أن تغلقوا المقال باستخفاف، تذكّروا معي تلك المخططات طويلة النفس التي كان قد وضعها الإخوان المسلمون لاختراق المجتمعات في دول عربية وإسلامية أخرى.

ألم تكن المناهج المدرسية هي حصان طروادة الذي دسوا في أحشائه مشروعهم في أسلمة كل شيء؟ ألم تكن الفصول والطوابير بالنسبة إليهم هي بداية خط الإنتاج الممتد، والذي منوا النفس بحصد ثماره خلال العقود المقبلة لولا تفطّن بعض القيادات الحكيمة –لا سيما في الإمارات- لهم؟

أستطيع الآن أن أتخيّل وأتفهّم ابتسامة التفاؤل التي لا بد وأنها ارتسمت على وجوه المتأسلمين خلال السنة الأولى من تنصيب محمد مرسي –عجّل الله فرجه- رئيسا لمصر، وذلك حينما انطلقت الشرارة الهادئة للأسلمة من خلال المناهج الدراسية.

ففي كتاب تعليم اللغة العربية، وكان للصف الأول الابتدائي إن لم تخني الذاكرة، كان قد تم الاستغناء في درس تعليم الأحرف عن "لام لعبة"، أو "لام ليمونة"، أو حتى "لام ليلام"، ووُضعت عوضا ًعنها "لام لحية"، مع رسم لرجل ملتح.

أما حرف الحاء، فعلى الرغم من إني لا أتذكر إشارته إلى الحجاب، فلا أتوقع بأن المنهج احتوى "حاء حقوق"، أو "حاء حرية"، أو "حاء حداثة".
مشوار الألف ميل يُدشن في عرف هؤلاء بالعبث بالمناهج، وتسميم العقول الناشئة، وهو ما قد يفسّر تغاضيهم المستمر عن حاضر تركيا "المتنيّل بستين نيلة"، وتطلّعهم الحالم إلى غد إسلاموي يحسبونه قريبا.