تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الأحد 12 مايو 2019 / 20:33

ممرّضة ولكن!

إذا صح وجود امرأة عظيمة وراء كل رجل عظيم، فإن وراء كل طبيب عظيم طاقم تمريض لا يقل عظمة عنه

بدون مجاملات وبدون مقدمات، كثير من الناس يرون -في قرارة أنفسهم- أن التمريض مهنة تأتي في أدنى سُلم الوظائف الصحية، بل إن حلم كل طفل في المرحلة الابتدائية -بسبب الضغط الاجتماعي الهائل- لا يخرج من دائرة الطب والهندسة والبترول، ونادراً ما ترى طالباً في المدرسة يُصرح بأن حلمه هو أن يكون ممرضاً أو ممرضة، وإذا امتلك الشجاعة وصرح بذلك، انهالت عليه سيول من الطاقة السلبية تجعله يلعن اليوم الذي تفوه به بتلك الكلمة!

عرف الناس قيمة دراسة علم التمريض بعدما كانت عائلة وأصدقاء المريض هم من يتولون رعايته حتى يتماثل للشفاء، وفي ظل انتشار المدن واكتظاظها بالباحثين عن العمل صار الناس بعيدين عن عائلاتهم ولا يجدون من يرعاهم إذا مرضوا، فجاءت مهنة التمريض لتسدّ هذا النقص العظيم في حاجات الناس، وكان أفضل الممارسين لمهنة التمريض الراهبات اللواتي عُرفن بإتقانهن لعملهن في المستشفيات. فنستطيع القول إن مهنة التمريض وُلدت من رحم حاجة المستشفيات ورغبة الأطباء وطموح النساء.

بدأت مهنة التمريض على يد المُناضلة فلورانس نايتنغيل Florence Nightingale في منتصف القرن التاسع عشر، والتي تحدّت تقاليد المجتمع البريطاني وقررت أن تمتهن مهنة التمريض عن طريق تعلم المبادئ الصحية. في سنة 1854، وخلال حرب القرم Crimean war مع روسيا، انتشرت أخبار في الصحف أشعلت الرأي العام البريطاني مفادها أن الجرحى الروس يتلقون علاجاً على يد القساوسة لا يضاهيه العلاج الذي يتلقاه الجرحى البريطانيون، فطلبت الحكومة من نايتنغيل التوجه إلى أحد المستشفيات العسكرية مع مجموعة صغيرة من الممرضات، وتم تحديث المستشفى الميداني العسكري بحسب معايير القرن التاسع عشر، وعملت على تطهير الغرف والجدران، وتهوية غرف المرضى، وتحضير وتقديم الغذاء المناسب مع الأدوية، وخلال أسابيع من بدء هذه الإجراءات؛ هبط معدل الوفيات بين الجرحى، كل ذلك بفضل ممرضة عظيمة.

اليوم، نستطيع أن نستشعر وعياً كبيراً عند المرضى والمراجعين، فتراهم في السابق يقولون إن هذا المستشفى جيد بسبب وجود الطبيب الفلاني، لكنهم اليوم يقرنون مهارة الطبيب بجودة التمريض والطاقم المُصاحب له. ليس من الصعب إيجاد طبيب جيد، لكن من الصعب إيجاد بيئة مُفعمة بالتعاون والمرونة تجعل من عطاء الطبيب للمريض متكاملاً وفعالاً. لا يستطيع الطبيب القيام بهذه المهمة من دون وجود فريق مُساند يقوم بتنفيذ الإرشادات الطبية ويُشارك في تقديم النصائح والتوجيهات وتقديم الدعم المعنوي للمريض. يكتب الطبيب الوصفة لكنه لا يقدم الدواء، يطلب فحصاً للدم، لكنه لا يسحبه من الوريد، يشرح الجراح تفاصيل العملية، لكنه لا يُباشر تجهيزاتها، كيف لهذه المهمات أن تجري بسلاسة دون وجود أيدي عظيمة مُساندة للطبيب.

إذا صح وجود امرأة عظيمة وراء كل رجل عظيم، فإن وراء كل طبيب عظيم طاقم تمريض لا يقل عظمة عنه.