ماريو فارغاس يوسا الكاتب البيروفي.(أرشيف)
ماريو فارغاس يوسا الكاتب البيروفي.(أرشيف)
الإثنين 13 مايو 2019 / 21:58

يوسا... شاعرية الجسد

ثمة فصول أخرى تخرجنا من سياق الرواية لتطل بنا على لوكريثيا الأسطورة، لوكريثيا الإلهة مع طقوس عبادتها الوثنية

«حفلة التيس» «المدينة والكلاب» «حرب نهاية العالم» «امتداح الخالة» روايات ماريو فارغاس يوسا الكاتب البيروفي. الكاتب الذي حاز على جائزة نوبل 2010 وبدأ أقرب الى اليسار لكنه انتهى الى أن ينقلب على نفسه ويهجر يساريته منحازاً الى الليبرالية بل منحازاً الى اليمين. هنا نحن أمام امتداح الخالة التي ترجمها صالح علماني المترجم البارز عن اللغة الأسبانية وصدرت عن دار المدى.

«امتداح الخالة» هي نموذج يوسا الروائي وهو فن مجدد مبتكر بل بالغ الابتكار. الابتكار هو أولاً في موضوعها وفي سرديتها وفي تقطيعها، ولا بد أن القارئ يفتتن بموضوع الرواية الجريء وغير المتوقع، بقدر ما يفتتن بسردها الذي يبقى دائماً على حافة الشعرية، والذي يوازن بين عدة أساليب أو عدة نمادج أسلوبية، كما يوازن بين مداخل عديدة متبيّنة متنوعة.

تروي الرواية قصة دون ريغو بيرتو وامرأته دونا لوكريثيا وإبن دون ريغو بيرتو فوتشينو. لوكريثيا هي زوجة ريغو بيرتو الثانية، إنها الأم الثانية خالة فوتشينو. كان ريغو بيرتو وكذلك لوكريثيا حذرين من أن يصب فوتشينو لوكريثيا باعتبارها بديلاً مكروهاً لأمه، لكن الأمر لم يكن كذلك. بدلاً من أن يرفض فوتشينو لوكريثيا تعلق بها تعلقاً يشغل الرواية كلها ويكاد يكون موضوعها الأساس. تبدأ الرواية من هنا، من هذه العاطفة الملتبسة التي يكنها الصبي لخالته. لا نصل بسهولة الى كنه هذه العاطفة، وتبقى الرواية متأرجحة متذبذبة حولها. تبدأ الرواية حين يبوح الصبي لمساعدة لوكريثيا بأنه مزمع على الانتحار لأن لوكريثيا تصده عنها، وهو من أجلها يهتم بمدرسته وبدرجته في صفه.

رواية يوسا تكاد تكون، من فصل إلى فصل، ألواحاً ورقائم ولوحات فنية. ثمة فصل نرى فيه لوكريثيا في الحمام، والفصل، بشاعرية لافتة، يروي علاقة لوكريثيا بجسدها، إنها علاقة حب وإلفة، ففي غرفة الحمام، المغلقة وفي حوض الحمام وفي أدوات الحمام وتفاصيل الحمام ندخل مع لوكريثيا إلى حمامها ونرى الأنثى التي فيها.

ثمة فصول أخرى تخرجنا من سياق الرواية لتطل بنا على لوكريثيا الأسطورة، لوكريثيا الإلهة مع طقوس عبادتها الوثنية. هذا الوجه للوكريثيا هو شعر الرواية. نصعد هكذا بالعلاقة الأوديبية إلى أصلها الاسطوري والإغريقي، بل نصعد الى لوكريثيا الهية وفوتشينو كيوبيدي. الأصل الوثني والأسطوري للوكريثيا وفوتشينو ولروايتهما هو وجه آخر للرواية التي تدور في آن واحد بين الواقع والأسطورة.

لكن هناك إلى جانب ذلك فصول هي تحف الرواية التي تستحيل معها إلى قطع من الجمال ومن الرغبة ومن شعرية الجسد والعلاقة بالجسد، فالحمام نفسه مفتوح لريغو بيرتو لكن ليس للاغتسال وحده بل لأمر آخر قلما نراه في رواية. بعد أن دخلنا في رواية «خفة الكائن التي لا تطاق لكونديرا الى الحمام بعد المضاجعة» لكن ليس فقط بقصد الاغتسال ولكن التغوط ايضاَ، ندخل مع بطل يوسا الى الحمام لإخراج فضلاته وتغوطه. يحول يوسا فعل التغوط المرسوم بتفصيل الى شاعرية لاهثة. يقف ريغو بيرتو على كل لحظة في العملية ويتابع اخراج الفضلات قطعة قطعة، الى أن ينتهي بعد الفراغ من العملية الى العناية برجليه فاليوم مخصص للرجلين وريغو بيرتو يخصص لكل عضو من أعضاء جسده يوماً. هكذا ندخل ايضاً في شاعرية الجسد.

تكتشف لوكريثيا أن فوتشينو يتسلق إلى نافذة حمامها ليراها في عريها، أوديبية تقابلها لوكريثيا بالرضى فتحتضن الصبي وتبيح له جسدها، الأمر الذي يعرفه ريغو برتو فيخرج لوكريثيا من حياته. هناك ينقطع السياق الشاعري، ونخرج من شاعرية الجسد ومن زنى الأقارب.