الرئيسان الروسي فلادمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيسان الروسي فلادمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الأربعاء 15 مايو 2019 / 23:11

صراع في إدلب

من أسباب قصف إدلب، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان مسؤولاً أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن الحفاظ على منطقة خفض التصعيد في إدلب. بالتأكيد أن الرئيس الإخواني رجب طيب أردوغان، لا عهد له، وهذا ما نعرفه عن أخلاق الجماعة الإخوانية المتأسلمة في أي مكان وجه الأرض.

يريد أردوغان البطش بأكراد تل رفعت، كما فعل في عفرين، لكن الأكراد أنفسهم لا يثقون تماماً في الولايات المتحدة الأمريكية، وما حدث في عفرين قد يحدث في تل رفعت

القذائف الصاروخية التي أُطْلِقتْ على قاعدة "حميميم" الروسية بسوريا، قد لا تُطلق إلا بأوامر أمريكية. في الظاهر هيئة تحرير الشام، أو جبهة النصرة سابقاً، هي المسؤولة عن ضرب القذائف. على الأقل هناك ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية، لإطلاق قذائف على قاعدة "حميميم"، وفي الغالب لا تطمح القذائف الصاروخية في إحداث ضرر بالغ بالقاعدة الروسية، لكن الهدف هو إرسال رسالة غضب من أمريكا إلى روسيا.

بوتين يتلقى رسالة القذائف الصاروخية على قاعدة "حميميم"، إلا أنه لا يستطيع بالمثل، تدبير إطلاق قذائف صاروخية مجهولة، تُنسب إلى جهة ما، على قاعدة "التنف" الأمريكية شرق سوريا، لكنه يستطيع خرق اتفاق خفض التصعيد في إدلب. وفي معادلة القوة، وهي مُعادلة مختلَّة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، تكون دائماً حسابات أمريكا للعدو الروسي، أقل من حسابات روسيا للعدو الأمريكي.

إلا أن فلاديمير بوتين يستطيع بالخطأ، قصف بعض نقاط المُرَاقَبَة التركية في إدلب. يستوعب رجب طيب أردوغان الخطأ الروسي، وتنفي وسائل إعلام تركية رسمية، إصابة بعض الجنود الأتراك من جرّاء القصف الروسي على إدلب.

تصيَّد بوتين وضع أردوغان الحرج، فالسلطان التركي تحوَّل إلى ديكتاتور كامل الأوصاف، وقام بإلغاء نتائج انتخابات بلدية إسطنبول التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري، إلى جانب خلافه مع أمريكا، إضافةً إلى تدهور الاقتصاد التركي، ثم جبهات الحروب العديدة التي افتتحها السلطان التركي، وكلها دفاعاً عن الجماعات الإرهابية.

حفظاً لماء الوجه، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار: ننتظر من روسيا أن تتخذ إجراءات فاعلة وحاسمة، لضمان وقف هجمات القوات السورية على جنوب إدلب. إن الهجمات تُشكِّل خطراً على نقاط المُراقَبَة التي يُقيمها الجيش التركي.

في نفس الوقت أكَّد سيرغي فيرشينين، نائب وزير الخارجية الروسي، أن عمليات القوات السورية في مناطق كفر بنودة وقلعة المضيق وتل هواش والكراكات والشيخ إدريس، جاءتْ بالتنسيق مع أنقرة. كأنّ نائب وزير الخارجية الروسي، يقول للإرهابيين: إن السلطان العثماني باعكم في صفقة غير مُعْلنة.

المدافعون عن الجماعات الإرهابية، الذين يعيشون في الغرب، يتململون قليلاً من تراخي رجب طيب أردوغان أمام قصف إدلب، ويتململون أيضاً من المعلومة غير المؤكدة، وهي سحب نقاط المُرَاقَبَة التركية من منطقة خفض التصعيد، ويدَّعون بأن هيئة تحرير الشام، قصفتْ قاعدة "حميميم" الجوية الروسية، كرسالة احتجاج لأنقرة.

ضُربتْ قاعدة "حميميم" الجوية الروسية مرتان قبل التصعيد الأخير، بصواريخ غراد وطائرات بدون طيَّار. ليس من المعقول أن يكون تحت تصرف الإرهابيين من "هيئة تحرير الشام"، طائرات بدون طيَّار، يتم التحكم فيها عن طريق الأقمار الصناعية، اللهم إذا كانت أمريكا حسمتْ أمرها، وأطلعتْ الإرهابيين على أسرار الأقمار الصناعية، وتكنولوجيا حروب الفضاء.
       
هناك حديث آخر بالغ التعقيد، ويدور أثناء معركة إدلب، وكلمة السر في هذا التعقيد، هي "تل رفعت"، المنطقة الحدودية السورية، المتاخمة لتركيا، والتي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية السورية. تعارض سوريا الحل الوسط بين موسكو وأنقرة، فلا تفهم لماذا يجب إعطاء جزء من تل رفعت للأتراك، إذا كانت القوات السورية قادرة على السيطرة عليها، وعلى إدلب.

الشائك أن سوريا من غير قوة موسكو، لا تستطيع استرداد تل رفعت، أو إدلب، ومن ناحية أخرى، أكراد تل رفعت، منضوون تحت جناح الولايات المتحدة الأمريكية. كيف ستكون مناورة أمريكا وروسيا في هذا التعقيد؟ يريد أردوغان البطش بأكراد تل رفعت، كما فعل في عفرين، لكن الأكراد أنفسهم لا يثقون تماماً في الولايات المتحدة الأمريكية، وما حدث في عفرين قد يحدث في تل رفعت.

في مقابلة مصوَّرة عبر موقع تلغرام دعا قائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، إلى حمل السلاح للدفاع عن قواته في إدلب، وهدد بقصف آخر لقاعدة "حميميم" الروسية. الرسالة هنا من أمريكا لروسيا، ومفادها أن قاعدة "حميميم"، ستتعرض للضرب من وقت لآخر. في مستقبل الصراع الأمريكي الروسي، هل سيجد فلاديمير بوتين، طريقة ما، لضرب قاعدة "التنف" الأمريكية شرق سوريا، بالخطأ غير المقصود؟