مناصر لحزب الله يضع على رأسه صورة لمؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني في ضاحية بيروت.(أرشيف)
مناصر لحزب الله يضع على رأسه صورة لمؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني في ضاحية بيروت.(أرشيف)
الجمعة 17 مايو 2019 / 14:40

المصادر الخفية لقوة إيران..أبعد من الدعم المادي

حذرت الباحثة نرجس باغوغلي، في تقرير بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، من المصادر الخفية لقوة إيران، مشددة على أن علاقات إيران مع وكلائها أعمق بكثير مما تدركه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

علاقات إيران مع وكلائها لا تعتمد فقط على الدعم المادي، إذ تستغل المخاوف السياسية المشروعة التي تتعلق بمنطقة خالية من الهيمنة الإمبريالية والتحرر من السيطرة الأجنبية

وتشير الباحثة، وهي أستاذ مساعد في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة "جونز هوبكنز"، إلى أنها لاحظت تدفقاً متزايداً على المراكز الثقافية لنظام الملالي من قبل مخرجي الأفلام الموالين لحزب الله والجماعات العراقية للشيعة والأكراد، وذلك خلال العقد الذي أجرت فيه بحثاً مع منتجين ثقافيين في الحرس الثوري الإيراني (القوة العسكرية الإيرانية البارزة) وافقوا على إجراء مقابلات معها بشرط عدم الكشف عن هويتهم.

العقوبات الأمريكية
وتلفت الباحثة إلى أن جميع الأسماء المستخدمة في تقريرها هي أسماء مستعارة. وحول الأهداف المعلنة لعقوبات إدارة ترامب ضد إيران وخاصة تقويض قدرة الأخيرة على توفير الدعم المالي للميليشيات في المنطقة، تنقل الباحثة عن علي، وهو عضو رفيع المستوى بالحرس الثوري الإيراني قوله: "لا يدرك الأمريكيون أن الجماعات التي ندعمها في المنطقة ليست مرتزقة لدينا، يعتقد الأمريكيون أن كل شيء يتعلق بالمال، وأننا نشترى الولاء في المنطقة لأنهم يستخدمون هذه الطريقة في شراء الولاء لأمريكا".

ويلفت مهدي، مخرج أفلام إيراني موالي لنظام الملالي كان يعيش في لبنان لإنتاج أفلام مع وسائل إعلام حزب الله، إلى أن المخرجين العراقيين يأتون بانتظام لقضاء بعض الوقت في طهران داخل الاستديوهات المرتبطة بمنظمة الباسيج (منظمة شبه عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني).

وتقول الباحثة: "على الرغم من أن البحث الذي أجريته ركز على المنتجين الثقافيين، إلا أنني شهدت تدفقاً مماثلاً للأجانب في الأذرع الاقتصادية والعسكرية للحرس الثوري الإيراني. ومن المؤكد أن يستمر تدفق السلع والأفكار والأشخاص بين إيران ووكلائها حتى مع العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب، وتقوم بتسهيل هذه العملية مجموعة من المؤسسات التي لا تعتمد على استثمارات مالية ضخمة، ومن خلال الصداقات الدائمة مع جميع الجهات".

السعي وراء الهيمنة والنفوذ
ورغم الروابط الثقافية والاجتماعية التاريخية بين إيران والعراق والشام نتيجة التجارة وكوكبة المعاهد الدينية، إلا أن هذه الروابط لم تُترجم إلى جماعات سياسية ناشطة. وبحسب الباحثة، فإن صناع السياسية والرأي العام يسيئون فهم طبيعة هذه الروابط ويعتبرون أنها مرتبطة بالمذهب الشيعي كعقيدة دينية تقليدية.

وينشأ سوء الفهم هذا من الإطار الجوهري المعيب الذي ترتكز عليه سياسة واشنطن بأكملها إزاء إيران والشرق الأوسط والذي يتمثل في أن الدافع وراء ثورة 1979 في إيران كان السعي المتعصب للسياسات الإسلامية. وترى الباحثة أن الرابط الحقيقي لمثل هذه الجماعات ليس الالتزام بعقيدة دينية محددة، والدليل على ذلك العلاقات الوثيقة ما بين إيران وفصائل فلسطينية معينة والجماعات العراقية الكردية وكذلك الروابط مع بشار الأسد في سوريا والحوثيين في اليمن.

وترى الباحثة أن السعي السياسي وراء السيادة والنفوذ، وليس السعي للحكم الديني، هو العامل الحقيقي المسؤول عن تنشيط علاقات إيران مع وكلائها. ومن ثم فإنه من الضروري إعادة النظر في الافتراضات الحالية السائدة حول الثورة التي قادت إلى الجمهورية الإسلامية في إيران.

ثورة 1979

وكشفت الأبحاث الحديثة التي تستهدف بناء تاريخ اجتماعي لثورة عام 1979 أن الرغبة في تخليص البلاد من الإمبريالية كانت الدافع الرئيسي لدعم الإيرانيين للثورة، وبخاصة لأن الثوار وصفوا الشاه محمد رضا بهلوي (استمر حكمه 26 عاماً بين عامي 1953 و1979) بأنه دمية أمريكية يتخلى عن مصالح البلاد من أجل السلطة والثروة.

وكان آية الله الخميني، بملابسه الدينية القاتمة هو النقيض لثروة الشاه. ووجدت رسالة الخميني الشعبية، لاستعادة العدالة والنزاهة لإيران في مواجهة الإذلال الدولي والمحلي والاستقلال عن القوى الخارجية، صداها لدى الشعب الإيراني الذي ظل يعاني من الفقر رغم الثروة النفطية الهائلة في سبعينيات القرن الماضي.

إيران ووكلاؤها
وتوضح الباحثة أنه خلال الأربعين عاماً الماضية التي تلت ثورة 1979، عمدت إيران إلى دعم الجماعات الناشطة في مكافحة الاحتلال الأجنبي، سواء في لبنان أو العراق أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، وينطبق الأمر نفسه على سياسات إيران في سوريا، حيث يعتقد ملالي طهران أن الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل تستخدم جماعات محلية ومرتزقة للإطاحة بنظام الأسد لأغراض جيوسياسية.

وبحسب الباحثة، يعكس تحليل خطابات مثل هذه الجماعات وبياناتها الرسمية في وسائلها الإعلامية مدى التركيز على السيادة ومكافحة الإمبريالية، وبالطبع تحمل أيضاً رمزية الإسلام كهوية ثقافية وسياسية، ولكنها ليست القوة الدافعة.

ويخلص تقرير "فورين بوليسي" إلى أن علاقات إيران مع وكلائها لا تعتمد فقط على الدعم المادي، إذ تستغل المخاوف السياسية المشروعة التي تتعلق بمنطقة خالية من الهيمنة الإمبريالية والتحرر من السيطرة الأجنبية على موارد وثروات البلاد، في كسب النفوذ بالمنطقة.